للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشاهد من هذا الحديث ظاهر: لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استنكر لبس الحلْقة التي يُقصد منها دفع الضرر، وأخبر أنها لا تزيد صاحبها إلاَّ مرضاً، وأنه لو مات وهي عليه ما أفلح أبداً، وهذا فيه دليل على منع لبس الحلْقة ونحوها من أجل دفع الضرر، أو من أجل دفع العين، أو غير ذلك من المقاصد السيّئة.

ومثله: ربط الخيط على الساق، فبعض الناس يربطون خيوطاً على سيقانهم، أو على أذرعهم، أو على أصابعهم، ويقولون: إن هذا يمنع من المرض، وهذا هو نفسه فعل الجاهلية، وهو مثل الذي استنكره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث.

قال: "رواه أحمد" الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، الإمام الجليل، أحد الأئمة الأربعة، شيخ المحدّثين رحمه الله، وهو الإمام الذي امتُحن وصبر، امتُحن في العقيدة على يد المأمون والمعتصم والواثق من خلفاء بني العباس، لأن المأمون تأثّر بالمعتزلة، وأدخلوا عليه أشياء مستنكرة، منها: القول بخلق القرآن- والعياذ بالله-، ومنها: تعريب الكتب الرُّومية وكتب الأمم الكافرة، التي لما عُرِّبت دخل على عقائد المسلمين منها الشر الكثير، وهذا كله بسبب المعتزلة، لأنهم غرّروا بهذا الخليفة.

ففي هذا خطر الفِرق الضالة، وخطر مصاحبتها والقُرب منها، ولهذا كان السلف يُحذِّرون من مصاحبة المبتدعة ومن مجالستهم، لأنهم يُؤثِّرون على من صاحبهم. وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} .

فهؤلاء لما صاحبوا هذا الخليفة استمالوه معهم، فصار ضد أهل السنّة، ووقف الإمام أحمد في وجهه، وأبى أن يقول بخلق القرآن، حتى ضُرب وسُجن وعُذّب، ولكنه صبر رحمه الله وصابر، وتعاقب عليه ثلاثة خلفاء، كلهم ضدّه: المأمون، والمعتصم، والواثق، ولكنه صبر ووقف بحزم وثبات، ولم يَخْضع لهم، وصبر على الضرب وعلى الحبس، وعلى الإهانة حتى نصره الله عزّ وجلّ، وجاء المتوكِّل ورفع عنه المحنة، وناصره، وصارت العاقبة للمتقين- والحمد لله-، وأخزى الله المعتزلة ومن تابعهم.

فهذا الإمام يجب أن نعرف موقفه من أجل أن نقتدي به، وأن نعرف- أيضاً-

<<  <  ج: ص:  >  >>