للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولابن أبي حاتم عن حذيفة: أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحُمّى، فقطعه، وتلا قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) } .

ــ

قوله: "ولابن أبي حاتم عن حذيفة: أنه رأى رجلاُ في يدّه خيط من الحُمّى" يعني: اتخذه أن يقيه من الحُمّى، والحُمّى: ارتفاع الحرارة في الجسم. فالرجل ربط الخيط من أجل أن يتقي الحُمّى، فحذيفة بن اليمان رضي الله عنه قطع هذا الخيط من هذا الرجل، فهذا فيه إزالة المنكر، كما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رأى الحلْقة قال: "انزعها".

قوله: "وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) } "، {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ} أكثر الناس " {وَهُمْ مُشْرِكُونَ} " قيل معناه أنهم لا يؤمنون بالربوبية إلاَّ وهم مشركون في الألوهية، لأن المشركين كلهم يقرُّون بالربوبية، ولكنهم يشركون في الألوهية، إما الشرك الأكبر وإما الشرك الأصغر، وربط الخيط حسب ما فصّلنا من أنه إذا كان يرى أن النفع والضرر بيد الله، وإنما الخيط سبب؛ فهذا شرك أصغر، لأن الله لم يجعل ربط الخيط سبباً من الأسباب الواقية. أما إذا كان يعتمد على هذا الخيط من دون الله في دفع الضرر؛ فهذا شرك أكبر.

فدلّ على أن الشرك قد يقع ويكثر وقوعه حتى من أهل الإيمان، إن كان المراد الشرك الأصغر، فالشرك الأصغر قد يصدر من المؤمن، كما قد يصدر منه النفاق لا العملي، ويصدر منه الرياء. أما إذا كان القصد الاعتماد عليه فإنه يكون من الشرك الأكبر المنافي للإيمان، فالشرك الأصغر ينقّص الإيمان، وينقّص التّوحيد، أما الشرك الأكبر فإنه ينافي الإيمان وينافي التّوحيد.

قال الشيخ رحمه الله في مسائله فيه: "أن الصحابة يستدلُّون بالآيات التي في الشرك الأكبر على الأصغر"، لأن حذيفة بن اليمان استدل بالآية النازلة في الشرّك الأكبر على الشرك الأصغر، هذا إذا فُسِّرت الآية بأن المراد بها أهل الجاهلية، لأن أهل الجاهلية يقرّون بتوحيد الربوبية ويشركون في توحيد الألوهية، ولكن إقرارهم بتوحيد الربوبية لا يدخلهم في الإسلام، فيكون حذيفة رضي الله عنه استدل بالآية النازلة على الشرك الأكبر على الشرك الأصغر، لأنها تتناوله بعمومها، مثل ما استدل ابن عباس بقوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قال: "هو قول الرجل: ما شاء الله وشئت، لولا الله وأنت، لولا كُليبة هذا لأتانا اللصوص وما أشبه ذلك"، فسّرها بالشرك

<<  <  ج: ص:  >  >>