للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التأديب والتعزير فلا يجوز لعن الآدميين، ولا لعن الدواب، ولا لعن المساكن، أو السيارات، أو غير ذلك.

وقوله: "لعن الله من آوى محدثاً" آوى معناها: حَمَى، فالإيواء معناه: الحَمَى والدفع. والمُحْدِث: هو الذي فعل جُرماً يستحق عليه إقامة الحد، فيأتي واحد من الناس ويَحُول دون هذا المجرم ودون إقامة الحد عليه، بجاهه، أو بقوته وسلطانه، أو بجنوده، أو بغير ذلك، فيمنع هذا المجرم من أن يقام عليه الحد. وهذا لعنه رسول الله.

وفي الحديث الآخر: "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله؛ فقد ضادّ الله في أمره"، وفي حديث آخر: "تعافوا الحدود فيما بينكم، فإذا بلغت السلطان فلعن الله الشافع والمشفع".

ولما سرق رجل رِدَاء صفوان بن أُميّة، وهو بالمسجد، فأمسكه صفوان، وذهب به إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقطع يده، فقال صفوان: الرداء له يا رسول الله، أنا ما أردت هذا، قال: "هلاّ قبل أن تأتيني به"، يعني: هلا سمحت عنه قبل أن تأتني به؟.

فإذا تقرّر الحد في المحكمة الشرعية فلابد من تنفيذه، إلاَّ إذا كان في إقامة الحد عليه ضرر على غيره، كالحامل إذا أُقيم عليها الحد تأثّر الحمل، فيؤخّر إلى أن تلد، وتجد من يرضعه وإلاّ تركت حتى تفطمه.

الحاصل؛ أن إيواء أصحاب الجرائم التي تستوجب الحدود، ومنع إقامة الحدود عليهم، من الكبائر، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن من فعله.

وفي بعض الروايات بفتح الدال "لعن الله من آوى محدثاً" والمحدَث معناه: البدعة، ومعنى آوى المحدَث أي: رضي به. فمن رضي بالبدعة، ولم يُنكرها وهو يقدر فقد آواها، يعني: من رأى البدع وسكت ولم يتكلم في إنكارها والبيان للناس أنها بدع، فقد آواها، يعني حماها بسكوته وتَرْكِه لها، فيكون مستوجباً للعنة، فكيف إذا دعا إليها ودافع عنها- والعياذ بالله-.

ثم قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لعن الله من غيّر منار الأرض" المنار: جمع منارة، وهي: العلامة. والمراد بمنار الأرض للعلماء فيه ثلاثة أقوال:

<<  <  ج: ص:  >  >>