للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحديث إذاً دليل على أن النذر عبادة، وأنه إذا نذر عبادة وجب عليه الوفاء بها، ولو صرفها لغير الله صار مشركاً، وعلى أنه لو نذر فعل الشرك، فإنه لا يجوز له الوفاء به، وكذلك إذا نذر المعصية التي هي دون الشرك، لا يجوز له الوفاء بنذر المعصية، وهذا محل إجماع: أنه لا يجوز له الوفاء بنذر المعصية، ولكن اختلفوا: هل تجب عليه كفّارة يمين أو لا تجب؟، من العلماء من رأى أنه تجب عليه كفّارة يمين بدل النذر، ومنهم من يرى أنه لا يجب عليه كفّارة يمين، نظراً لأن نذر المعصية غير مُنْعَقِد أصلاً، فليس فيه كفّارة يمين. ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث نهى عن فعله ولم يأمر بالكفارة.

وعلى كل حال؛ تبيّن لنا من خلال هذه الآيات الكريمة وهذا الحديث أن النذر عبادة، وإذا كان عبادة فصرفه لغير الله شرك.

فما يفعله عُبّاد القبور، والمتصوّفة، والمخرِّفون، من هذه النذور التي تقدّم للقبور، أو تقدّم للجن والشياطين، أو حتى للأولياء والصالحين، أنها عبادة لغير الله عزّ وجلّ، وشرك بالله عزّ وجلّ، فلا يجوز عملها، ويجب المنع منها، والتحذير منها، وأن هذه النذور باطلة، لا يجوز له الوفاء بها، فإن وَفَى بها ونفّذها صار مشركاً بالله الشرك الأكبر، فيجب عليه أن يتوب وأن يدخل في الإسلام من جديد. فهذا في النذر الواحد، فكيف بالذي أفنى عمره بالنذور، وضيع ماله بالنذور، كلما أحسَّ بشيء، أو خاف من شيء صار يَنْذُر للأولياء والصالحين؟!. فالمسألة خطيرة جداً.

ولكن مهما عمل الإنسان من الشرك والكفر إذا تاب، تاب الله عليه، ولو أفنى عمره في الشرك والكفر ثم تاب توبة صحيحة تاب الله عليه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} فلو أن هؤلاء القبوريّين تابوا إلى الله لتاب الله عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>