للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وآمنوا به، انتقدوها على قومهم من الجن، كما في قوله تعالى في أول السورة: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً (٢) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً (٣) } ، وبعد ما نزّهوا الله عن الشرك، وتبرءوا منه، جعلوا ينتقدون أقوامهم وما يفعلونه مما يخالف التّوحيد، ولهذا قالوا: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللهِ شَطَطاً (٤) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً (٥) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً (٦) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً (٧) } إلى آخر السورة، وذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما خرج إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى، فردُّوه ردًّا قبيحاً، وأَغْرَوْ عبيدهم وسفهاءهم يرجمونه بالحجارة عليه الصلاة والسلام رجع إلى مكة، وقد خرج من مكة على حالة شديدة: مات عمه الذي كان يدافع عنه، وماتت زوجته خديجة التي كانت تُؤَنِّسه، وكانت له نِعْم المعين على دعوته، ثم لما خرج إلى الطائف أُصيب بهذا الرد القبيح، اشتدت به الحال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جدًّا، وبينما هو كذلك يسّر الله له من الجن من استمع إلى القرآن وآمن به، وذلك أنه لما رجع من الطائف، وبلغ وادي نَخْلَة - بين مكة والطائف-، قام يصلي الفجر ويقرأ القرآن، واستمع له الجن، فأُعجبوا بالقرآن- كما في هذه السورة، وفي سورة الأحقاف-: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} يعني: بعد التوراة، {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١) } ، وفي سورة الجن: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} ، فهذا فيه فرج من الله سبحانه وتعالى لنبيه، وتسلية لنبيه، وأن الله يقيِّض له من يتبعه ويؤمن به، لأنه مبعوث إلى الإنس والجن.

" {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ} " الإنس: بنو آدم.

" {يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} " الجن المُراد بهم: عالم من عالم الغيب، يعيشون معنا في هذه الأرض، وهم مكلّفون، مأمورون بطاعة الله، ومَنْهِيُّون عن معصية الله، مثل الإنس، لكننا لا نراهم، قال تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ} يعني: إبليس {هُوَ وَقَبِيلُهُ}

<<  <  ج: ص:  >  >>