للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذه الآية يقول: " {لا يَخْلُقُ شَيْئاً} " وشيئاً نَكِرَة في سياق النفي تَعُم، يعني: لا يخلقون أي شيء ولو كان قليلاً، ولو يجتمع العالم كله بما فيهم المَهَرة والصنّاع والمهندسون والأطباء، ويُطلب منهم أن يخلقوا حبة شعير ما استطاعوا.

ثم قال: " {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} " أي: هذه المعبودات التي تعبدونها مخلوقات لله سبحانه وتعالى: فهم لم يخلقوا أنفسهم، ولم يخلقوا غيرهم، فكيف تتّخذونهم مع الخالق سبحانه وتعالى؟، هل هذا إلاّ من باب المكابرة، ومن باب العِناد.

فالذي يُشرك بالله أيًّا كان هذا الشيء قد قامت عليه هذه الحجة في أن هذا المعبود عاجز، لكن أين العقول التي تفكِّر؟، هؤلاء الذين يزعمون أنهم مفكِّرون، وأنهم مَهَرَة، وأنهم مثقفون، وأنهم.. وأنهم، تجدهم يخضعون للقبور، ويعبدون الأموات، ويذبحون لها، وينذرون لها، ويستغيثون بها، وهم يسمعون هذا القرآن.

ثم قال سبحانه وتعالى: {وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً} أي: هذه المعبودات وهذه الأصنام لا تملك نصراً لمن دعاها، إذا وقع المشرك في كُربة، أو في ضيق، أو في مرض، لا يستطيع أحد من الخلق أن يُنقذه إلاّ بإذن الله: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلاّ إِيَّاهُ} ، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (٦٢) } ، {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} ، وهنا يقول: " {وَلا يَسْتَطِيعُونَ} " لا يملك المعبودون " {لَهُمْ} " للعابدين {نَصْراً} عندما يتسلط عليهم عدو، أو يتسلط عليهم سَبُع، أو يتسلط عليهم خوف، فإنها لا تستطيع هذه المعبودات أن تنصرهم على عدوهم، {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} ، {وَمَا النَّصْرُ إلاّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} فالنصر من الله سبحانه وتعالى، ولو كانت هذه المعبودات تُغني عن المشركين شيئاً ما انهزموا في بدر، ولا انهزموا في الأحزاب، ولا انهزموا يوم فتح مكة، وفي يوم حنين، وأما المؤمنون فالله نصرهم سبحانه وتعالى، وهم قِلّة، كانوا في بدر ثلاثمائة وبضعة عشر، والمشركون يزيدون على الألف، والمسلمون ليس معهم عُدّة ولا سلاح إلاّ قليل، والمشركون مُدَجَّجُون بالسلاح: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>