للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأُمِرَ بتبليغه، والرسل كثيرون، منهم من سَمّى الله- جل وعلا- لنا في القرآن، ومنهم من لم يُسَمِّ لنا {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} ، فنحن نؤمن بجميع الرسل من أوّلهم إلى آخرهم، من سمى الله لنا ومن لم يسم، والإيمان بالرسل أحد أركان الإيمان الستة.

" {أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} " هذا مثل: " {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} "، فكما أن الله خلق الخلق لعبادته كذلك أرسل الرسل- أيضاً- لعبادته سبحانه وتعالى، ما أرسل الرسل يعلمون الناس الفلاحة والزراعة والصناعة، ولا ليعلموهم الأكل والشرب، ولا ليعلموهم أن يقروا بوجود الرب والربوبية، إنما أرسل الرسل ليأمروا الناس بعبادة الله سبحانه وتعالى الذي هو ربهم، والذي يعترفون أنه ربهم وخالقهم سبحانه وتعالى.

{أَنِ اعْبُدُوا اللهَ} هذا أمر، {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} هذا أمر بمعنى النهي. والطاغوت: مأخوذ من الطغيان، وهو: مجاوزة الحَدّ في كل شيء، والطاغوت يُطلق ويُراد به الشيطان، وهو رأس الطواغيت- لعنه الله- ويُطلق ويُراد به الساحر والكاهن، والحاكم بغير ما أنزل الله، والذي يأمر الناس باتباعه في غير طاعة الله، فالطاغوت- كما يقول ابن القيم-: "كل ما تجاوز به العبد حَدّه من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله فهو طاغوت".

فالله أمرنا بعبادته سبحانه وتعالى واجتناب الطاغوت، والمراد بالطاغوت هنا: كل ما عُبِد من دون الله من الأصنام والأوثان، والقبور والأضرحة وغير ذلك، كلها تسمى طواغيت، لكن من عُبد من دون الله ولم يرضَ بذلك فهذا لا يُسمى طاغوتاً، مثل: عيسى عليه السلام؛ كذلك: عباد الله الصالحين كالحسن والحسين، والأولياء الذين لم يرضوا أن يُعبَدوا من دون الله؛ هؤلاء لا يسمون طواغيت، ولكن عبادتهم عبادة للطاغوت الذي هو الشيطان، فهؤلاء الذين يعبدون الحسين وأمثاله، هؤلاء يعبدون الشيطان؛ لأنه هو الذي أمرهم بهذا: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} يعني: الشياطين، {أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>