للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلا، فمن تبيّن له الحق ولم يقبله فإنه يعاقب بالحرمان -والعياذ بالله-، يعاقب بالزّيغ والضلال، ولا يقبل الحق بعد ذلك، فهذا فيه الحثّ على أن من بلغه الحق وجب عليه أن يقبله مباشرة، ولا يتلكّأ ولا يتأخر، لأنه إن تأخر فحريّ أن يُحرم منه: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ} ، {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} .

وهذا الحديث مع الآية يدلان على مسائل عظيمة:

المسألة الأولى: فيه مشروعية الدعوة إلى الله عزّ وجلّ، فإن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى عمه وهو في سياق الموت، من أجل ماذا؟، من أجل الدعوة إلى الله عزّ وجلّ، ففيه: الدعوة إلى الله، وأن الداعية لا ييأس، ولا يقنط من القبول، أو يكسل عن مواصلة الدعوة، ويقول: النّاس ما هم بقابلين، النّاس ما فيهم خير، الإنسان يدعو إلى الله، من قَبِل فالحمد لله، ومن لم يقبل قامت عليه الحجّة، وحصل الأجر للداعية.

المسألة الثانية: في الحديث دليل على مشروعية عيادة المريض المشرك من أجل دعوته إلى الله عزّ وجلّ، فإن الرسول عاد عمه وهو مشرك من أجل دعوته إلى الله.

المسألة الثالثة: - وهي مهمة جدًّا-: أن من قال: لا إله إلاّ الله فإنه يُقبل منه، ويُحكم بإسلامه، ما لم يظهر منه ما يُناقض هذه الكلمة من قول أو فعل، فإن ظهر منه ما يناقض هذه الكلمة حُكم بردّته، أما ما لم يظهر منه ما يناقض هذه الكلمة، فإنه يُحكم بإسلامه، فإن كان صادقاً فيما بينه وبين الله، فهو مسلم حقًّا، وإن كان كاذباً فيما بينه وبين الله فهو منافق، أمره إلى الله عزّ وجلّ، أما نحن فليس لنا إلاّ الظاهر.

المسألة الرابعة: في الحديث دليل على أن الأعمال بالخواتيم، فأبو طالب عاش على الكفر والشرك، لكنه لو قال: لا إله إلاّ الله عند الوفاة، واستجاب للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لختم له بالإسلام، فدلّ على أن الأعمال بالخواتيم، وهذا يصدقه قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث عبد الله بن مسعود: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وان أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" فالأعمال بالخواتيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>