قال:"وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ} ، هذا استفهام تقرير، أي: قد رأيت وعلمت يا محمَّد.
" {إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ}" أي: حظّاً من الكتاب فالنصيب: الحظ؛ والمراد بهم اليهود، لأن الله أعطاهم التوراة التي أنزلها على موسى- عليه الصلاة والسلام- من عند الله، فهو كتاب عظيم من عند الله.
وهذا من باب الإنكار عليهم، لأن المفروض أن الذي أوتي نصيباً من الكتاب وعلم الحق يجب عليه أن يعمل به: فكونهم يخالفون الحق - وعندهم الكتاب- هذا دليل على غِلظ كفرهم وعنادهم.
" {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ}" أي: يصدقون بالجبت، وهو الشرك، أو السحر، أو الساحر، أو الكاهن، أو الشيطان، كل ذلك يسمى جبتاً.
" {وَالطَّاغُوتِ}" في اللغة: مأخوذ من الطغيان، وهو: مجاوزة الحد؛ والمراد به هنا: ما تجاوز به العبد حدّه من معبود، أو متبوع، أو مطاع في غير طاعة"الله، كله طاغوت.
ويقول العلامة ابن القيم:"الطواغيت كثيرون، ورؤوسهم خمسة: إبليس- لعنه الله- ومن عُبد وهو راض. ومن دعا النّاس إلى عبادة نفسه. ومن ادعى شيئاً من علم الغيب. ومن حكم بغير ما أنزل الله".
" {وَيَقُولُونَ} " أي: يقول هؤلاء اليهود.
" {لِلَّذِينَ كَفَرُوا} " وهم مشركوا قريش {هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} أي: هؤلاء الكفار أهدى من الذين آمنوا سبيلاً، أي: منهج الكفار أهدى من منهج المسلمين المتبعين لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا وهم عندهم الكتاب، ويعرفون الحق من الباطل.
وسبب ذلك: أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما هاجر إلى المدينة، وبايعه الأنصار من الأوس والخزرج، وصارت للمسلمين دولة عظيمة في المدينة، اغتاظ اليهود الذين