للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السنّة، ومناصراً للحق، وصابراً على المحنة، حتى ثبّته الله، وثبّت به عقيدة المسلمين من الزيغ حينما امتُحن النّاس بالقول بخلق القرآن، فثبت، وصبر على الجلد، وعلى السجن، وعلى الإهانة حتى أظهره الله، ونشر به الحق.

قال: "صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" يعني: صح قتل الساحر عن عمر بن الخطاب، وحفصة أم المؤمنين، وجُنْدب، وهو جُنْدب بن كعب الأزدي الغامدي، وله قصة، وهي:

أن الوليد كان يلعب عنده ساحر، ومن جملة سحره أنه يُظهر للناس بأنه يقتل الرجل ثمّ يحييه، حيث يستعمل القُمْرة، أي: السحر التخييلي، فيخيّل إلى النّاس أنه يقطع رأس الرجل ثمّ يعيد الرأس مكانه، فيما يظهر للنّاس، فجاء جُنْدب بن كعب رضي الله عنه مُخْفيًّا السيف، فلما وصله قطع رأسه، وقال: إن كان صادقاً فليحيي نفسه.

قتله غَيْرة على دين الله عزّ وجلّ، وتحدِّياً لهذا الساحر الذي يُحيي الموتى بزعمه، فبذلك بطلت هذه الحيلة الشيطانية، وانقشعت هذه القُمْرة، وتبيّن أنه كاذب.

ويُستفاد من هذه الآثار فوائد عظيمة:

الفائدة الأولى: كُفر الساحر، لأن الصحابة قتلوه، وما قتلوه إلاَّ لكفره.

هذا مع الآيات التي تدل على كفره، كقوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} ، يعني: ما استعمل السحر كما يظن اليهود، فدلّ على أن استعمال السحر كفر، {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} ، يعني: سبب كفرهم أنهم {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} فدلّ على أن تعليم السحر كفر.

وأن الله قال في الملكين: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى} ينصحاه {يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} يعني: نحن امتحان واختبار، فمن قبل السحر فهو كافر، {فَلا تَكْفُرْ} بتعلُّم السحر.

{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا} يعني: من الملكين، {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} ، هذا دليل على أن السحر له حقيقة، وأنه يؤثِّر ويفرِّق بين المرء وزوجه بإحداث البغضاء، فهو دليل لمذهب أهل السنّة على أن السحر له حقيقة يؤثِّر، ولو لم يكن له حقيقة لم يؤثِّر البغضاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>