{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ} أي: لا يسوغ ولا في جوز للمسلمين أن يمكنوا المشركين من دخول المساجد لأجل أن يتعبّدوا فيها العبادة الشركية، ويدعوا غير الله فيها، فلا يجوز للمسلمين أن يمكِّنوا المشركين من إظهار الشرك في المساجد ولا أن يكونوا من عُمّارها والمتردِّدين عليها وهم يُعلنون الشرك بالله تعالى، لأن المساجد إنما بنيت لعبادة الله وإخلاص الدين له كما قال الله سبحانه وتعالى في المشركين:{وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} ، فالمشرك ليس له حقٌّ في مساجد الله سبحانه وتعالى لأن مساجد الله بيوت الله بُنِيَتْ لعبادة الله وحده لا شريك له ولم تُبْنَ لعبادة غيره، وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللهِ أَحَداً (١٨) } .
وقوله:{وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ} هذا محل الشاهد من الآية للباب، أي: لم يخش من غير الله، لا من المعبودات، ولا من سائر المخلوقات، وإنما الخشية حقٌّ لله سبحانه وتعالى لا يجوز أن يُشرك معه فيها غيره، وهي عملٌ قلبي- من العبادات القلبية-. وهذا حصر للخشية لله سبحانه وتعالى، فلا يخشى الإنسان غير الله عزّ وجلّ، ومن خشيَ غير الله خشية العبادة فقد أشرك بالله. وهذا مثل قوله:{فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، فمن شرط الإيمان: إخلاص الخوف من الله، كذلك من شرط الإيمان: إخلاص الخشية من الله سبحانه وتعالى.
{فَعَسَى أُولَئِكَ} أي: الذين اتّصفوا بهذه الصفات: الإيمان بالله واليوم الآخر، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والخشية من الله وحده، {فَعَسَى} عسى حرف ترجٍّ، ولكنها من الله واجبة، لأنها وعدٌ من الله سبحانه وتعالى، والله لا يخلف وعده، ولهذا يقول العلماء: كلُّ "عسى" من الله فهي واجبة.
{أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} المهتدين إلى الحق، أما من لم يتّصف بهذه الصفات فليس من المهتدين، بل هو من الضالِّين.