للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدارت المعركة من جديد، وأصاب المسلمين ما أصابهم من القرْح، واستُشهد منهم سبعون من خيار الصحابة من المهاجرين والأنصار، وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطّلب عم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصابه ما أصابه؛ فكُسِرتْ رَباعيّته، وشُجَّ في رأسه، وسقط في حفرة، وأُشيع أنه قد مات. فأصاب المسلمين مصيبة عظيمة، ولكن أهل الإيمان لا يتغيّر موقفهم ولا يتزحزح أبداً مهما بلغ الأمر، لا تضعُف عزيمتهم، اجتمعوا حول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذُبُّون عنه، ويحمونه من سهام المشركين، والمعركة لا تزال مستمرة، والرسول مشجوج، والمِغْفَر قد هشم على رأسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثمّ انتهت المعركة، وأُعلن أنّ محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُقتل، فحينئذ فرح المسلمون فرحاً شديداً، واغتاظ المشركون غيظاً شديداً.

فانصرف المشركون إلى مكّة، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أصحابه أن يدفنوا الشهداء، وأن يدفنوا الاثنين والثلاثة في قبرٍ واحد، لكثرة الأموات، ولضعف المسلمين في هذه الحالة، فدفنوهم في مكان الشهداء المعروف عند أحد، وحملوا الجرْى إلى المدينة.

ولَمْا وصلوا إلى المدينة جاءهم مندوب من أبي سفيان بأنه سيعيد الكرّة عليهم، ويرجع عليهم ويستأصل بقيّتهم، فما زادهم ذلك إلاَّ إيماناً، وأمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين خرجوا معه إلى أُحُد أن يخرجوا ولا يخرج معهم غيرهم، فخرجوا مع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجراحهم ونزلوا في مكان يقال له: (حمراء الأسد) - قريب من المدينة - ينتظرون الكفّار.

لما بلغ أبا سفيان ومن معه أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج في أَثَرهم وفي طلبهم أصابهم الرعب، وقالوا: ما خرجوا إلاَّ وفيهم قوة. فمضوا إلى مكة خائفين من الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجع المسلمون إلى المدينة سالمين.

وأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢)) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} .

هذا قول أبي سفيان أننا نأتي ونقضي على بقيّتهم {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>