للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن ابن عبّاس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الكبائر؟، فقال: "الإشراك بالله، واليأس من رَوْح الله، والأمن من مكْر الله ".

ــ

ويقولون: "الخوف والرجاء للمؤمن كجناحي الطائر، إذا اعتدلا استطاع الطيران في الجو، وإذا اختلّ واحدٌ منهما سقط فلا يستطيع الطيران"، كذلك المؤمن، إذا تعادل فيه الخوف والرجاء استطاع السير إلى الله سبحانه وتعالى، وإذا اختلّ أحدُ الركنين اختلّ إيمانه.

قوله: "وعن ابن عبّاس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الكبائر؟ " أي: عن الذنوب الكبائر؛ جمع كبيرة وهي: العظيمة.

فقال: "الإشراك بالله" هذا اكبر الكبائر. فأكبر الكبائر: الإشراك بالله عزّ وجلّ، وهو: عبادة غير الله بأيِّ نوع من أنواع العبادة وأيًّا كان هذا المعبود صنماً أو شجراً أو حجراً أو حيًّا أو ميِّتاً أو قبراً أو غير ذلك.

وهذا هو الذي لا يُغفر إلاَّ بالتوبة، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ، وهذا هو الذي يحبط الأعمال جميعها، قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .

قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "واليأْس من رَوْح الله" هذا مثل قوله تعالى: " {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} "؛ فالقنوط من رحمة الله من أكبر الكبائر، لأن فيه إساءة ظنٍّ بالله سبحانه وتعالى، ولأنه يحمل صاحبه على عدم التوبة لأنه يقول: لا يغفر الله لي وإن تبت، والله سبحانه وتعالى يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) } : توبوا إلى الله عزّ وجلّ؛ والتوبة تَجُبُّ ما قبلها مهما كان الذنب الشرك والكفر وقتل النفس والزنا وشرب الخمر وأكل الربا؛ فالتوبة لا يبقى معها ذنب إذا كانت توبة صحيحة، والتائب من الذنوب كمن لا ذنب له: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} ، فالكفّار إذا كانوا يُغفر لهم ما قد سلف فكيف بُعصاة المؤمنين إذا تابوا؟، هم أولى بالمغفرة؛ فعَفْوُ الله أعظم من ذنوبهم.

قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والأمن من مكر الله" أي: ومن أكبر الكبائر: الأمن من مكر الله،

<<  <  ج: ص:  >  >>