لا يعرفها العوام، ولا تتسع لها عقولهم، من المسائل العلمية، فلا تُلقى على العوام، وإنما تُلقى على طلبة العلم، وعلى الناس الذين يستوعبونها، ولهذا يقول ابن مسعود:"ما أنت بمحدث قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم إلاَّ كان لبعضهم فتنة" وقال علي رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله".
فالحاصل؛ أن طالب العلم والواعظ والمعلم يجب عليه أن يراعي أحوال الحاضرين وأحوال الناس، ويعطيهم ما يحتاجون إليه من المسائل، ولا يُلقى عليهم المسائل الغريبة التي لم يتوصلوا إليها، فلو أتيت عند طلبة علم مبتدئين، فلا تلق عليهم غرائب المسائل التي لا يعرفها إلاَّ الراسخون في العلم، بل تعلمهم مبادئ مبسطة سهلة يتدرّجون بها شيئاً فشيئاً، لا تطلب من طالب مبتدئ أن يقرأ في "صحيح البخاري"، لأنه لم يصل إلى هذا الحد لكن لَقِّنه "الأربعين النووية"، والأحاديث القريبة، وشروط الصلاة، وأحكام الطهارة، إلى آخره، وإنسان مبتدئ بعلم العربية، لا تأمره بقراءة كتاب سيبويه؟، لكن تأمره بقراءة "الأجرُّوميَّة"، ومسائل مبسطة، يدخل بها على اللغة العربية والنحو، شيئاً فشيئاً، ولذلك ألف العلماء المختصرات والمتوسطات والمطوّلات، من أجل إن طالب العلم يمشي مراحل، شيئاً فشيئاً، الحاصل: أن كل شيء له شيء، وكل مقام له مقال.
وقوله رحمه الله:"أخرجاه في الصحيحين" أخرجه البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه "الجامع الصحيح"، الذي هو أصح كتاب عند المسلمين بعد كتاب الله عز وجل، وبالمنزلة الأولى من كتب السنة، ثم يليه "صحيح الإمام مسلم"رحمه الله، فالصحيحان:"صحيح البخاري" و"صحيح مسلم" هما أعلى شيء في كتب السنّة، وأصح الأحاديث ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ثم ما رواه البخاري، ثم ما رواه مسلم، ثم بقية الأحاديث، لأن هناك صحاحاً غير الصحيحين: مثل: "صحيح ابن خزيمة"، وهذا يُثني عليه أهل العلم، و"صحيح الحاكم"، و"صحيح ابن حبّان"، وهذه يشترط أهلها الصحة، ولكن تصحيحهم دون تصحيح الإمامين البخاري ومسلم.