للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن عديّ بن حاتم: أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ} الآية، فقلت له: إنا لسنا نعبدهم. قال: "أليس يحرِّمون ما أحل الله فتحرِّمونه، ويُحِلُّون ما حرّم الله فتُحلُّونه؟ " فقلت: بلى. قال: "فتلك عبادتهم" رواه أحمد والترمذي وحسّنه.

ــ

وهذا هو الشاهد من الآية للباب.

قوله: "وعن عدي بن حاتم: أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ} الأحبار جمع حَبر أو جمع حِبر وهو: العالِم.

" {وَرُهْبَانَهُمْ} " جمع راهب، وهو: العابد، والغالب أن الأحبار من اليهود، والرهبان من النصارى.

" {أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ} " أي: يطيعونهم في التحليل والتحريم.

{وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} غلوا فيه واتخذوه رباً يعبدونه.

{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} فسمّاه شركاً، ونزّه نفسه عنه، فدلّ على أنّ طاعة الأحبار والرُّهبان في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرّم الله أنه يُعتبر شركاً بالله عزّ وجلّ، ويعتبر حديث عديّ هذا تفسيراً للآية.

فَلمّا سمع عديّ رضي الله عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ هذه الآية قال: "إنا لسنا نعبدهم"، فَهِمَ رضي الله عنه أن عبادتهم تعني الركوع لهم والسجود لهم، والذبح لهم فقط.

قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أليس يحرِّمون ما أحل الله فتحرِّمونه، ويحلون ما حرّم الله فتحلُّونه؟ قال: بلى، قال: "فتلك عبادتهم" فدلّ هذا على أن طاعة الأحبار والرُّهبان في تحريم الحلال وتحليل الحرام عبادة لهم، ويُعتبر هذا من شرك الطاعة، لأن التحليل والتحريم حقٌّ لله سبحانه وتعالى، فليست العبادة قاصرة على السجود والركوع والدعاء والذبح والنذر وغير ذلك مما يفعله الوثنيُّون، بل ويشمل طاعة المخلوقين في معصية الخالق سبحانه وتعالى ومخالفته في تشريعه، يدخل هذا في ضِمْن العبادة، فالعبادة عامة ليست مقصورة على نوع أو أنواع من العبادة، بل هي شاملة لكل ما هو من حق الله، ومن ذلك: التحليل والتحريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>