للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" {يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} " أي: ينكرون هذا الاسم الكريم، ويجحدونه.

ويوضّح ذلك سبب نزول الآية، وهو: أنّ كُفّار قريش لَمّا سمعوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكُر الرحمن، قالوا: وما الرّحمن؟، لا نعرف الرّحمن إلاَّ رحمن اليمامة. يَعْنُون: مسيلِمة الكذّاب، وذلك عندما صالح النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المشركين في الحديبيَة، وأراد أن يكتُبَ الصُّلْح، ونادى عليَّ بن أبي طالب ليكتُب الصُّلْح، فقال له: "اكتب: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} "، قالوا: لا نعرف الرّحمن إلاَّ رحمن اليمامة، ولكن اكتُب باسمك اللهم. فأنزل الله تعالى: " {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} ".

وكذلك لَمّا كان النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مكّة، وكان يصلِّي ويدعو في سُجوده: "يا الله، يا رحمن"، فقال المشركون لَمّا سمعوه: انظروا إلى هذا يزعُم أنّه يعبُد ربًّا واحداً وهو يدعو ربّين: الله والرّحمن، قال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} .

بيّن سبحانه أنّ أسماءه كثيرة، وتعدُّد الأسماء لا يدلّ على تعدُّد المسمّى، بل تعدُّد الأسماء يدّل على عظمة المسمّى، والله جل وعلا له أسماء كثيرة، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠) } ، وقال سبحانه وتعالى: {اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (٨) } ، وقال تعالى في آخر سورة الحشر: {هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ... } إلى قوله: {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ، فالله له أسماءٌ كثيرة، كلّها حسنى، يعني: تامّة عظيمة، تشتمِل على معان جليلة.

وفي الحديث الصحيح: أنّ النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنّ لله تسعة وتسعين اسماً مَنْ أحصاها دخل الجنّة"، وفي دعاء النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أسألُك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحداً من خلقك"، فدلّ على أنّ أسماء الله كثيرة لا يعلمها إلاَّ الله سبحانه وتعالى.

وكثرة الأسماء الحسنى تدلّ على عظمة المسمّى.

فكل اسم يُدعى به ويُطلب منه تعالى ما يتضمّنه ذلك الاسم من الرحمة والمغفرة والتّوبة وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>