للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عبّاس في الآية: "الأنداد هو الشرك، أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل.

ــ

أبداً، وإنما البراهين القاطعة هي على توحيد الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة.

ودلَّ ذلك على أن الإقرار بتوحيد الربوبية لا يكفي، فالذين يقولون: بأنّ التوحيد هو الإقرار بأنّ الله هو الخالق الرازق المحيي المميت.

هؤلاء مخطئون، لم يعرفوا التّوحيد، لأنّ هذا لو كان توحيداً كافياً لكان المشركون موحِّدين، لأنّ الله أخبر بأنهم يعلمون أنّ الله هو الخالق الرّازق الذي ينزّل المطر والذي فعل هذه الأفعال، يعلمون هذا ولم يكونوا موحِّدين، بل أمرهم بعبادته فقال: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} ، فدلّ على أن علمهم بهذه الأشياء لا يكفي حتى يُفردوا الله سبحانه وتعالى بالعبادة، إذاً: فالتوحيد هو إفراد الله تعالى بالعبادة، وليس التوحيد هو الإقرار بتوحيد الرّبوبيّة كما يقوله علماء الكَلام الذين لم يفهموا التّوحيد، بل جعلوا كلّ همّهم ومناظَراتهم واستدلالهم على توحيد الرّبوبية، وهذا تحصيل حاصل، وموجود عند أبي لَهب وأبي جهل وغيرهما، فهم يقرّون بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت.

قال: "وقال ابن عبّاس في الآية: الأنداد هو الشرك" الشرك منه نوعٌ جليٌّ واضحٌ كالذبح لغير الله، والنّذر لغير الله، ودُعاء غير الله، والاستغاثة بغير الله، هذا شرك واضحٌ جلي، لأنّه يُرى ويُسمَع.

وهُناك شركٌ خفي، وهو نوعان:

النوع الأول: شركٌ في المقاصد والنيّات، وهذا خفيّ لأنّه في القُلوب، والقُلوب لا يعلم ما فيها إلاَّ سبحانه وتعالى، كالذي يصلِّي، لكن يصلّي رياءً وسُمعة، وهذا لا يعلمُه إلاّ الله.

والنوع الثاني: شركٌ خفيّ، لأنّه لا يعلمه كثيرٌ من النّاس، وهو الشرك في الألفاظ دون الاعتقاد، وهو المذكور هنا.

قال ابن عبّاس: "الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلُمة الليل" سُمّي خفياً: لأنه قَلَّ من يتنبّه له.

<<  <  ج: ص:  >  >>