للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمرهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: " ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت" رواه النسائي وصححه.

ــ

والمخلوق له مشيئة، خلافاً للجَبْرِيَّة الضُّلاَّل الذين يقولون: إنّ المخلوق ليس له مشيئة، بل هو مجبور، يفعل الكفر والمعاصي والشرك من غير اختياره، مثل الآلة التي تُحَرَّك والريشة التي تحرِّكُها الريح، ولو كان كذلك لم يستحقّ العذاب على المعصية، ولم يستحقّ الثواب على الطاعة.

ويقابلهم المعتزلة الذين قالوا: العبد له مشيئة مستقلة لا تتعلّق بمشية الله، فهو يفعل الكفر والمعاصي بغير مشيئة الله، وإنّما بمشيئته مستقلاً بها. تعالى الله عمّا يقولون، وهذا معناه: أنه يحدُث في ملك الله ما لا يشاؤُه. وليس من لازم مشيئة الله: محبته لكل ما يشاؤه سبحانه؛ فهو يشاء كفر الكافر ولا يحبه، وإنما يشاؤه ويخلقه لحِكمة بالغة وهي الابتلاء والامتحان. وإلاَّ فـ "لو يشاء الله لهدى النّاس جميعاً" ولكن اقتضت حكمته أن يفاوت بينهم.

قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أجعلتني لله نِدًّا؟!، قل: ما شاء الله وحده" الند هو: الشّبيه والمثيل والنّظير، يعني: أجعلتني شبيهاً لله ومثيلاً لله وشريكاً له في المشيئة، ثم أمره أن يستبدل هذه اللفظة بلفظة التّوحيد فيقول: ما شاء الله وحده.

وهذا إرشاد إلى الأكمل أن يقول: ما شاء الله وحده، وإذا قال: ما شاء الله، ثُمَّ شئت. فهذا بيانٌ للجائز، فلا تعارُض بين الحديثين.

وهذا من سدّ الطُرُق الموصلة إلى الشرك، فإنّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الشرك ونهى عن الطرق التي توصل إليه، فإذا تلفظ بذلك- ولو كان لا يعتقد- فهذا وسيلةٌ إلى الاعتقاد فيما بعد، فيُمنَع اللفظ وإنْ كان لا يعتقد بمعناه لئلا يفضي هذا إلى الاعتقاد.

وهذان الحديثان فيهما فوائد عظيمة:

الفائدة الأولى: ما ذكره الشيخ رحمه الله في مسائله قال: "فيه فَهْمُ الإنسان إذا كان له هوى"، فهذا اليهودي مع كونه يهوديًّا مغضوباً عليه فهم أنّ هذا من الشّرك، لأنّه يريد أن يتنقّص هذه الأُمّة، ومع هذا تقبّل الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الملاحظة، وأرشد إلى تصحيحها.

<<  <  ج: ص:  >  >>