فقال عوفُ بن مالك: كذبتَ، ولكنّك منافق، لأُخبرنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فذهب عوفُ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُخبره، فوجد القرآن قد سبقه.
ــ
خرج المسلمون وصبروا على المشقّة وفيهم رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصيبُه ما أصابهم من الشدّة ومن الرمضاء ومن الحرّ.
خرجوا وذهبوا ووصلوا إلى تبوك ونزلوا فيه، فلمّا عَلِم العدو بقدومهم إلى تبوك أصابه الرُّعب، وتقهقر.
فنزل النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيّاماً في تبوك ينتظر قُدومهم ومجيئَهم، ولكنهم جَبُنوا، وألقى الله الرعب في قلوبهم، ورجع المسلمون سالمين مأجورين، وخاب المنافقون.
وأنزل الله في هذه الغزوة سورةً كاملة هي سورة التوبة التي فضح الله فيها المنافقين وأثنى فيها على المؤمنين، وهكذا حكمةُ الله سبحانه وتعالى يبتلي عبادَه.
فكان للمنافقين كلمات، منها ما في هذا الحديث، حيث قال رجلٌ منهم: "ما رأينا مثل قُرَّائنا هؤلاء" يعني بالقُرّاء: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.
"أرْغَبَ بطوناً، ولا أكذبَ ألسناً، ولا أجْبَنَ عند اللَّقاء" وهذه الصّفات في الواقع هي صفات المنافقين، لكنّهم وصفوا بها رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابَه.
فقال عوف بن مالك: "كذبت، ولكنك منافق، لأخبرنّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وهذا مِن أنكار المنكر، ومن النصيحة لوُلاة الأُمور، فالمسلم يبلِّغهم مقالات المفسدين والمنافقين من أجل أنْ يأخُذوا على أيدي هؤلاء، لئلا يُخِلُّوا بالأمن ويفرِّقوا الكلِمة، فتبليغ وُلاة أمور المسلمين كلمات المنافقين ودعاة السوء، الذين يريدون تفريق الكلمة، والتحريش بين المسلمين؛ هو من الإصلاح ومن النَّصيحة، لا من النّميمة.
"فذهب عوفٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُخبره فوجد القرآن قَدْ سَبَقه" لأنّ الله سبحانه وتعالى سَمِعَ مقالتهم وأنزل على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر قبل أن يصل إليه عوف.
فهذا فيه: سَعَةُ علم الله سبحانه وتعالى.
وفيه: علامةٌ من علامات النبوّة، وأنّ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوحى إليه ويبلُغه الخبر بسرعة.
ثم جاء ذلك الرجل الذي تكلّم بهذا الكلام- والعياذُ بالله-، ووجد النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: