للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنَّنِي بَرَاءٌ} هذا هو معنى النّفي: لا إله، {إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} هذا هو معنى الإثبات: إلاَّ الله، فهي كلمة عظيمة.

وقوله: "وأن محمداً عبده ورسوله" هذا يدل على أنه لا يكفيه شهادة أن لا إله إلاَّ الله، بل لابد معها من شهادة أن محمداً رسول الله، فلو شهد أن لا إله إلاَّ الله، وأبى أن يشهد أن محمداً رسول الله؛ لم يدخل في الإسلام، لأن هذه قرينة هذه، وكما في الأذان، وفي الإقامة، وفي الخطب، وإذا جاءت لا إله إلاَّ الله وحدها، تدخل فيها شهادة أن محمداً رسول الله ضِمناً.

وقوله: "وأن محمداً عبده ورسوله" هذا نفي للإفراط والتفريط، عبده هذا نفي للإفراط والغلو في حق الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجعل شيء له من الربوبية، كما يعتقد المخرِّفون، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبدٌ ليس له من الرُّبوبية شيء، وقد سمَّاه الله عبداً في أشرف المقامات، في مقام الوحي: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} وفي مقام الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وفي مقام الإنزال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (١) } وفي مقام التحدي: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} فهو عبد لا يُعبد- عليه الصلاة والسلام-، ورسول لا يُكذّب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل يُطاع ويُتبع، فليس له من العبادة شيء، فالذين يطلبون منه المدد، ويطلبون منه النصر على الأعداء، ويطلبون منه قضاء الحاجات، وتفريج الكُرُبات، هؤلاء رفعوه من العبودية إلى الألوهية- والعياذ بالله-، ما أقرُّوا أنه عبد الله، بل جعلوه شريكاً لله في ربوبيّته وإلهيّته، والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا تُطْرُوني كما أَطْرَت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله"، يقول الله سبحانه وتعالى له: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (١٢٨) } ، ويقول سبحانه: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨) } ، ويقول سبحانه: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسَالاتِهِ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>