للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمستقل ومستكثر، وفتّش نفسَك هل أنت سالم؟

فإنْ تنجُ منها تَنْجُ من ذي عظيمة ... وإلاَّ فإنّي لا إخالُك ناجياً

ــ

وكذلك بالنسبة لمن تشبّه به في الاعتراض على الله في أفعاله سبحانه وتعالى وفي تصرُّفه في ملكه جل وعلا، وأنّه ينبغي أن يكون كذا وكذا.

ثم قال: "وفتِّش نفسَك هل أنت سالم؟ " يجب على الإنسان أن لا يزكِّي نفسه أبداً، يقول الله جل وعلا: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} ، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) } ، فالإنسان لا يزكِّي نفسه، بمعنى: يمدح نفسه ويُعجب بنفسه، ويظنّ أنه كامل، وأنّه من الأخيار، بل دائماً الإنسان يتّهم نفسَه بالتقصير في حقّ الله تعالى.

أمّا التزكية التي أثنى الله تعالى على أصحابها في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) } فالمراد بتزكية النفس هنا تطهيرُها بالأعمال الصالحة وترك الأعمال السيّئة، هذه تزكية النفس، شغلُها بالأعمال الصّالحة وتجنيبُها للأعمال السيّئة.

فهناك تزكيةٌ منهيٌّ عنها وهي: الإعجاب والمدح للنفس، وهناك تزكية مأمورٌ بها وهي الإصلاح والتوبة والعمل الصالح: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) } ، وتوعّد الله الذين لا يزكون أنفسهم قال تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} قال بعض المفسرّين: المراد بالزّكاة هنا: تزكية النفس، لأن الآية مكية، والزكاة بالأموال لم تكن نزلت إلاّ في المدينة، وفي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (٤) } قالوا: والمراد بالزكاة هنا: زكاة النفس، لأنّ الآية مكيّة- أيضاً-، فتزكية النفس بالأعمال الصالحة مطلوبة مأمور بها.

وقوله: "فتِّش نفسك هل أنتَ سالم؟ " يعني: لا تشتغل بعيوب النّاس وتنسى نفسك، فتِّش نفسك هل أنت سالم من هذا التعنُّت والملامة على القدر والاعتراض على الله سبحانه وتعالى في الحوادث؟.

قوله: "فإنْ تنجُ منها" يعني: من هذه المصيبة.

فإنْ تنجُ منها تَنْجُ من ذي عظيمة ... وإلاَّ فإنّي لا إخالُك ناجياً

يعني: لا أظنُّك تنجو من هذه الفتنة.

فهذا الباب في الحقيقة بابٌ عظيم، وبابٌ جليل، ومن أحب المزيد من هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>