للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "والجنة حق، والنار حق" يعني: ومن شهد أن الجنة -وهي دار المتقين-، والنار- دار الكافرين-؛ كل منهما حق، وأنهما داران موجودتان مخلوقتان، وباقيتان لا تفنيان أبداً، الجنة للمتقين، والنار للكافرين، فالدُّور- كما ذكر ابن القيّم- ثلاث:

الأولى: دار الدنيا، وهي دار العمل والاكتساب.

الدار الثانية: دار البرزخ، وهي دار القبور، برزخ بين الدنيا والآخرة، والبرزخ معناه الفاصل، والحياة في القبور، تسمى بالحياة البرزخيّة، وفيها عجائب، فيها نعيم أو عذاب، إما حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، ويبقى الأموات في قبورهم إلى أن يشاء الله جل وعلا بَعْثَهُم وحَشْرَهُم للحساب والجزاء، وهذه الدار، مَحَطَّة انتظار.

والثالثة: دار الجزاء، التي هي يوم القيامة، الجنة أو النار، وهذه الدار لا تفنى ولا تبيد أبداً، وإذا آمن الإنسان بهاتين الدارين، فإن ذلك يحمله على العمل الصالح والتوبة من الذنوب والسيئات، فإذا تيقّن أن هناك جنة، وأن هذه الجنة لا يدخلها إلاَّ بالأعمال الصالحة، فإنه يعمل، وإذا تيقن أن هناك ناراً، وأنه يدخلها بالمعاصي والكفر والسيئات، فإنه يحذر من ذلك ويتوب إلى الله عزّ وجلّ، فالإيمان باليوم الآخر والجنة والنار يحمل العبد على العمل الصالح والتوبة من الذنوب والسيئات، أما الذي لا يؤمن بالآخرة، فهذا يعمل ما تُمليه عليه شهواته، وما ترغبه نفسه ولا يحاسب نفسه أبداً، لأنه لا يؤمن ببعث ولا بحساب، تعالى الله عما يقوله الظالمون والكافرون علواً كبيراً، {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} ينكرون البعث، {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) } ، هكذا يقولون، لأن الكفار الذين بعث فيهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينكرون البعث والنشور، ومثلهم الملاحدة والدهريون الذين لا يؤمنون برب ولا ببعث ولا بحساب، ومثلهم الفلاسفة الذين يقولون: "إن هذه الأمور إنما هي من باب التخييلات من أجل مصالح الناس"، فالرسل أو الأنبياء يقولون: هذه الأشياء من باب التخييلات من أجل مصالح

<<  <  ج: ص:  >  >>