للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن عبد الله بن الشَّخِّير رضي الله عنه قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: أنت سيِّدُنا، فقال: "السيِّد الله تبارك وتعالى".

ــ

قولُه: "عن عبد الله بن الشَّخِّير" هو عبد الله بن كعب بن عامر بن الشخِّير العامري نسبةً إلى بني عامر، قبيلة من قبائل العرب معروفة.

قال: "انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وذلك عام الوُفود، وهو العام التّاسع من الهجرة، فإنّ النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمّا فتح الله عليه مكّة في السنّة الثامنة من الهجرة، دخل النّاس في دين الله أفواجاً، فصاروا يتوافدون على الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلنون إسلامهم، فسمّيَ هذا العام عامَ الوُفود، وهذا كما قال الله سبحانه وتعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً (٢) } ، والفتح المراد به: فتحُ مكّة.

قالوا للرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخاطبونه: "أنت سيدنا" على عادة العرب أنّهم إذا قدِموا إلى كبيرٍ من كبرائهم أو ملكٍ من ملوكهم يمدحونه ويفخِّمونه بالألفاظ، فظنّوا أن النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذلك يقال له مثل ما يقال لرؤساء العرب وملوك العرب، فقالوا: "أنت سيدنا وابن سيدنا".

فقال النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "السيِّد الله تبارك وتعالى" أراد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسدّ باب الغلوّ في حقِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم: "السيِّدُ الله" من أجل أن يترُكوا هذا اللّفظ.

والسيِّد يطلق ويُراد به: المالِك، كما يقال لمالك العبد: سيِّد، لأنّه يملكُه، فالله جل وعلا هو السيد، بمعنى أنّه هو المالك المطلق الذي له التصرُّف كما يشاء سبحانه وتعالى في عباده، فهو السيِّد والخلق عباده سبحانه وتعالى.

والنّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يسدّ هذا المديح خوفاً عليهم من الغلو، كما أن الصّحابة لَمّا آذاهم منافق من المنافقين فقالوا: "قوموا بنا نستغيث برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، فقال النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنّه لا يُستغاث بي، وإنما يُستغاث بالله"، فأراد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسدّ هذا الباب، وإن كانت الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه جائزة، كما قال الله تعالى في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} ، والنّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قادرٌ على أن يردع هذا المنافق ولكنّه أراد أن يعلِّم الأمّة الآداب ويبعدها عن الغلو فقال: "إنّه لا يُستغاث بي، وإنّما يُستغاث بالله عزّ وجلّ".

وقال- أيضاً-: "لا تُطْرُوني" أي: لا تزيدوا في مدحي، "كما أطرت

<<  <  ج: ص:  >  >>