للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يقال إنّ الإمام أبا حنيفة رحمه الله جاءه جماعة من الملاحدة وقالوا: نريد المناظرة، فقال لهم رحمه الله: قبل المناظرة بلغني خبرٌ عجيب، قالوا: وما هو؟، قال: بلغني أنّ سفينةً تسير بنفسها في البحر، وتحمَّل نفسها بالبضائع، ثم تأتي وتُفرغ حَمولتها بنفسها بدون عُمّال وبدون قائد، قالوا: هذا مُحال، لا يُتصوّر أنّ سفينة تمشي في البحر وتحمّل نفسها وتُفرغ عن نفسها بدون عمّال وبدون قائد، قال: هكذا بلغني، قالوا: هذا مُحال، قال: يا سبحان الله! إذا كانت سفينة- وهي جزئيّة صغيرة في الكون- لا يُتصوّر فيها أنّها تعمل هذا الشّيء فكيف بهذا الكون كلّه ليس له خالق وليس له مدبِّر وليس له رب، فانخصموا واندحروا، وأفحمهم بهذه الحُجّة.

وهذه الآية مفحمة لكل ملحد: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} هل يُعقل أنّ الخلق يوجد بدون خالق؟، لا، هذا لا يقولُه عاقل.

وإذا كان الكون لابدّ له من خالق فمن هو هذا الخالق؟، هل هو أنتم؟ {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} يعني: أنتم الذين خلقتم السماء، خلقتم الأرض، خلقتم الشجّر، خلقتم البحار، بيِّنوا لنا الذي خلق هذه الأشياء، وضِّحوا لنا، لا يستطيع أحد مهما بلغ من الكفر والإلحاد، لا يستطيع أن يدّعي أنّه خلق السماء، وخلق الأرض، {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦) } ، {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} ، {هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} ، فكلّ الكفرة والمشركين لا أحد منهم ادّعى أنّ معبوده من دون الله خلقَ شيئاً من هذا الكون، أبداً، قال سبحانه وتعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} .

فالله جل وعلا هو المنفرد بالخلْق، ولا أحد نازعَ الله في ذلك من الجبابرة والمتكبِّرين والكَفرة والملحدين، لا أحد ادّعى أنه خلق بعوضة: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} ، هذا تحدٍّ من الله سبحانه وتعالى، تحدِّ لجميع الخلق بمن فيهم المَهَرة والمهندسون والخُبراء أن يخلُقوا ذباباً، ولا يزال التحدِّي قائماً إلى يوم القيامة، فهذا دليل على أنّ الخالق هو الله.

أوّلاً: الخلْق لابدّ له من خالق، هذه بداهة عقلية لا ينازع فيها إلاّ مكابر.

<<  <  ج: ص:  >  >>