للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصفة الأولى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) } الخشية من أعمال القلب، وهي الوَجَل من الله عزّ وجلّ، والخوف من عقابه، خشيةً منه سبحانه وتعالى أن يعاقب العاصي والمذنب على معصيته، ومن أعظم أنواع العبادة، الخوف والخشية والرغبة والرهبة والرجاء، وكل هذه من أعمال القلب، إلاَّ أن الخوف لا يجوز أن يصل إلى حد القنوط، بل يكون خوفاً مقروناً بالرجاء، لا يَيْأَسُون من روح الله {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} ، والرجاء لا يكون بدون خوف من مكر الله. ولا يأمنون من مكر الله، ويعتمدون على الرجاء فقط، ويتركون الخوف: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (٩٩) } ، بل المطلوب الجمع بين الخوف والرجاء، فلا يخاف حتى يَقْنَط، ولا يرجوا حتى يأمن من مكر الله، بل يكون متعادلاً، ولهذا يقول العلماء: "المؤمن بين الخوف والرجاء كالطائر بجناحين لو اختل جناح من الأجنحة سقط الطائر، كذلك المؤمن إذا اختل خوفه أو رجاؤه سقط".

الصفة الثانية: {وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) } ، يؤمنون بآيات الله أي يصدقون بها، ويعملون بها، وآيات الله: القرآن، ويؤمنون به بمعنى: أنهم يصدقون أنه كلام الله سبحانه وتعالى، تكلم الله به وَحْياً، ونزل به جبريل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحفظه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جبريل، وبلّغه للناس، {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (١٩٣) } يعني: جبريل- عليه الصلاة والسلام-، {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) } ، هذه صفات القرآن، فيؤمن هؤلاء المؤمنون بأن هذا القرآن هو خطاب ربهم لهم أمراً ونهياً، وتعريفاً به سبحانه وبصفاته، وإخباراً لهم عن الغيوث الماضية والغيوب المستقبَلة، وهذا القرآن أعظم الكتب التي نزلت من السماء، وقد أودع الله فيه من العلوم العظيمة والأسرار العظيمة ما لا يعلمه إلاَّ الله سبحانه وتعالى. والعوام يفهمون من القرآن، والمبتدءون في التعليم يفهمون من القرآن، والراسخون في العلم يفهمون أكثر من غيرهم، كل على قدر ما أعطاه الله سبحانه وتعالى، لأن القرآن- كما يقول ابن عباس-. على أربعة أنواع: منه ما تعرفه العرب من لغتها، كالنار، والجنة، والزنا، والخمر، والشرك، والكفر، والربا. ومنه ما لا يُعذر أحد بجهل الله مثل: معرفة

<<  <  ج: ص:  >  >>