للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يكون الصبي متقيًّا إذا وفقه الله؛ فليس من شرط التحرز عن العقوبة أن يكون الشخص بحيث يقع فيها، وقد يتحرز الأمن. ثم قد يكون المتقي عدلًا وقد لا يكون.

قال الشيخ الإمام: "لأن اتقاء المعاصي -كبيرها وصغيرها- هو التقوى؛ فإذا اتقى الكبائر -وكان عدلًا- لم يقدح فيه إتيان الصغيرة؛ ولكنها تقدح في تقواه؛ فهذا عدل غير متق.

وقد يتقي ولا يكون عدلًا إذا لم يكن ذا هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة.

قال الشيخ الإمام رحمه الله: "وكل من العدالة والتقوى قد تكون للصبي -وإن لم نقبل شهادته؛ فالبلوغ شرط في قبول قوله لا في عدالته".

فإن قلت: ما المرضي في حد العدالة؟ فإنكم عقدتم القاعدة له.

قلت: قد قبل: إنها هيئة راسخة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة.

ونقضه الشيخ الإمام بأن "إن أريد -بالتقوى- تقوى المعاصي دخلت الصغائر وخرج مرتكبها -وإن لم يصر على العدالة. وإن أريد مطلق التقوى دخل من اتقى الشرك وارتكب الكبائر في العدالة وكلاهما غير صحيح".

قال: إلا أن يقال: إن الصغائر لا تقدح في إطلاق اسم التقوى لعسر التحرز عنها وكون المؤمن لا يسلم من الذنب الفينة بعد الفينة.

ثم قال الشيخ الإمام: لا بد عندي في العدالة من وصف آخر لم يتعرضوا إليه، وهو الاعتدال عند انبعاث الأغراض حتى يملك نفسه عن اتباع هواه.

قال: فإن المتقي للكبائر والصغائر الملازم لطاعة الله وللمروءة قد يستمر على ذلك ما دام سالمًا من الهوى؛ فإذا غلبه هواه خرج عن الاعتدال وانحل عصام التقوى؛ فقال ما يهواه، وإبقاء هذا الوصف هو المقصود من العدل، -كما يشير إليه قوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} ١، وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} ٢؛ فكم من صالح لا شك في صلاحه من عصمته أن لا يحد، وفي نفسه أن لا يعصي؛ فإذا جرت عليه المقادير وغلب هواه قامت نفسه فانبعث منها ما لا يبقى مع الصلاح.


١ سورة الأنعام "١٥٢".
٢ سورة البقرة "١٤٣".