فلا بد أن يمتحن الصالح حتى يعرف حاله في الرضا والغضب وعند الأغراض؛ فإذا استوى كلامه فهو العدل، وإلا؛ فليس بعدل وإن كان صالحًا قبل حصول ما يغيره.
فالعدالة: هيئة راسخة في النفس تحمل على الصدق في القول في الرضا والغضب، ويعرف ذلك باجتناب الكبائر، وعدم الإصرار على الصغائر، وملازمة المروءة والاعتدال عند انبعاث الأغراض حتى يملك نفسه عن اتباع هواه.
فقد رأيت من لا يقدم على ذنب فيما يعتقد، ثم يستر هواه على عقله أعاذنا الله من ذلك".
انتهى كلام الشيخ الإمام بنصه.
وأقول: يشترط -مع ذلك- أن لا يكون متلبسا -حال الشهادة- بمعصية، وإن كانت صغيرة تغتفر إذا لم يكن متلبسًا بها حال الشهادة.
وهذا لأن المعاصي -من حيث هي- منافية للعدالة؛ إلا أنا اغتفرنا الصغائر لقلة الصون عنها، ولا يقبل ذلك عند أداء الشهادة فلمنصب الشهادة أهبة تنافي المعاصي عنده.
وكان هذا للمحافظة على هذا المنصب؛ فإن من يتلبس بالمعصية حالة الشهادة كأنه لا مروءة له. وهذا الشرط قاله بعض أصحابنا بدليل.
مسائل:
منها: لو ادعى واحد على اثنين أنهما رهنا عنده عبدهما فزعم كل أنه لم يرهن نصيبه وأن شريكه رهن وشهد عليه؛ ففي قبول شهادته وجهان في الرافعي في باب الاختلاف في الرهن.
قال الشيخ أبو حامد: لا تقبل لأن المدعي يزعم أن كل واحد منهما كاذب ظالم في الجحود وطعن المشهود في الشاهد مانع من قبول شهادته، وقال الأكثرون تقبل لأنهما ربما نسيا وإن تعمدا فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق كذا علله الرافعي واحتمال النسيان معنى صحيح، وأما قوله: لأن الكذبة الواحدة لا توجب الفسق فيقال له: هب أنها لا توجب فسقا لكنها توجب رد الشهادة لكونها معصية وقت الشهادة كما عرفت على أن صاحب البحر جزم في باب من تجوز شهادته، ومن لا تجوز بأنه لو كذب عن قصد ردت شهادته وإن لم يكن فيها بقوله ضرر. قيل: أو بهتان.