للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقائع الأعيان إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال فقط بها الاستدلال.

وربما عزبت هذه العبارة إلى الشافعي رضي الله عنه وهي لائقة بفصاحته فما أحسن قوله: كساها ثوب الإجمال؛ إذ الثوب من شأنه أن يغطي ويستر فلا يكشف ما هو ضمنه. وهذا هو شأن الإجمال يستر المراد فلا يهتدي إليه طالبه.

وقد زعم بعضهم أن هذا يعارض قوله: ترك الاستفصال في حكاية الأحوال ينزل منزلة العموم من قبل أنه قضي بالعموم هناك على ذي محتملات والإجمال هنا على ذي محتملات.

والصواب أن الكلامين لم يتواردا على محل واحد؛ فذلك في صغية مطلقة ترد على ذي أحوال فيعلم أنه لولا عمومها لما أطلقها إطلاقًا فإن شأنه أجل من أن يطلق في موضع التقييد.

وهذه في واقعة حكم فيها بحكم ولم نعلم نحن على أي الوجهين وقعت؛ فكيف يقضي بأنها وقعت على كلا الوجهين، والقضاء بذلك خطأ قطعي [لأنها] ١ وإن احتملت الوجهين إلا أنا على قطع بأنها لم تقع إلا على وجه واحد والحكم صادف ذلك الوجه فإذا لم نعلمه نقف ونقضي بالإجمال.

[كما] ٢ أن ذلك عموم حكمي غير مكتسب من صيغة [وهذا] ٣ إجمال حكمي غير مكتسب من صيغة. فالصيغة لم تقع إلا مبينة؛ لأنها صادفت إحدى الحالتين المعروفة عند ورود الصيغة عليها فلم يقع فيها إشكال إلا في ثاني الحال بالنسبة إليها حيث لم يطلع عليها فصار الإجمال فيها لا في صيغتها.

وسمعت الوالد رحمه الله يذكر في الجمع بين العبارتين بعدما عزاها إلى الشافعي أن القاعدة الأولى [الاستدلال] ٤ فيها بقول الشارع وعمومه ومثل لها بقوله صلى الله عليه وسلم لفيروز وقد قال: إني أسلمت وتحتي أختان: اختر أيتهما شئت.

قال: والثانية: سقوط الاستدلال بالواقعة نفسها لا بكلام الشارع والواقعة نفسها


١ في "ب" إليها.
٢ سقط في "أ" والمثبت من "ب".
٣ سقط في "ب".
٤ في "ب" للاستدلال.