للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها: ذهبت الحنفية إلى أن القلتين ينجسان بملاقاة النجاسة، لقلتها عندهم إذا الكثير عندهم هو المستبحر، واحتجوا بأن زنجيًا وقع في بئر زمزم فمات فأمر ابن عباس رضي الله عنها بمائها أن ينزح الأثر. قالوا: وزمزم ماؤها أكثر من قلتين ولم ينقل تغييرها؛ فدل على تنجسها بمجرد الملاقاة.

وأجاب الشافعي رضي الله عنه بأجوبة.

منها: أن الدم قد يكون ظهر [فيها] ١ فنزحها ربما كان تنظيفًا لا وجوبًا.

أشار رضي الله عنه بهذا إلى أنها واقعة عين احتمل أن يكون نزحها تنظيفًا، وأن يكون احتياطًا لاحتمال التغيير، وأن يكون [لاحتمال] ٢ النجاسة فيما إذا لم تتعين النجاسة.

مسألة خلافية بيننا وبين الحنفية:

ففي المساواة بين الشيئين أو الأشياء يقتضي العموم لكن بالطريقة التي قررناها في الأصول.

وقد مثل له الفريقان بما دعاهم إلى ذكره في مسألة قتل المسلم بالكافر وهو قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} ٣؛ فمن حيث تعميمه لكونه نكرة في سياق النفي.

قالت الشافعية: انتفت المساواة بين المسلم والكافر فلا يقتل به. وعندي أن التمسك بهذه الآية غير متوجه؛ فإن فيها إشارة إلى تخصيص المساواة [بالقول] ٤ حيث قال: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُون} أشار إلى أن المعنى نفي المساواة من هذه الحيثية لا مطلقًا فالصواب التمثيل بغير هذه الآية.

ورأيت الماوردي لما نقل عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما منع الوضوء بماء البحر استدل لهما بقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} ٥.

قال: وهذا يدل على أن البحر المالح لا يجوز الوضوء به؛ إذ لو جاز لا يستويان ولك أن تقول: هذا كالأول وأزيد؛ وإنما قلت إنه كالأول لقوله عقيبه وما يستوي البحران هذا


١ سقط في ب.
٢ سقط في ب.
٣ الحشر ٢٠.
٤ في "ب" القود.
٥ فاطر ١٢.