للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج؛ وإنما قلت: إنه أزيد لقوله تعالى: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} الآية؛ فقد سوى بينهما في أكل اللحم واستخراج الحلية بعدما نفي المساواة فدل على أن المراد ليس نفيها مطلقًا بل نفيها خاصًا وهو ما سيقت له من الامتنان بما أنعم الله عليهم من البحرين كما قلنا في الآية قبلها.

إذا عرفت هذا فأقول: أوضح من الآيتين في التمثيل قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} ١؛ فإنه تعالى وإن قال عقب ذلك: {أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا} الآيتين؛ فليس قوي الدلالة في أنه إنما أراد هذه الحيثية لوقوعه في آيتين، ومن ثم لم أمثل في جمع الجوامع إلا بهذه الآية حيث قلت: وتعميم نحو: {لَا يَسْتَوُونَ} وإن كان فيها هذا الاحتمال إلا أنه ليس بظاهر فيها لأنها في قوة قولك: "لا يستوي المؤمن والكافر ومن ثم للمؤمن كذا وللكافر كذا" فتدل الآية على أن الفاسق لا يلي النكاح.

ولست أدعي الصراحة ولا الظهور الذي تطهر به القلوب؛ بل إنه في الآية أوضح منه في الآيتين السابقتين.

وكذلك في قوله تعالى في غافر٢ {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ} ؛ ففيه دلالة على أن البصير أولى في إمامة الصلاة من الأعمى وهو رأي الشيخ أبي إسحاق، ورجحه الوالد رحمهما الله.

وكذلك قوله تعالى في سورة النحل٣: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .

وقوله تعالى في سورة الجاثية٤: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً} على قراءة النصب وبها قرأ حمزة والكسائي وحفص.

وقوله في سورة آل عمران٥: {لَيْسُوا سَوَاء} اي ليس أهل الكتاب مستويين أي سواء أوقفنا على سواء وقلنا: الواو ضمير لأهل الكتاب، و"ليس" اسم خبرها سواء و"من أهل الكتاب" خبر مقدم وأنه رفع بالابتداء، و"قائمة" نعت لها، والجملة مستأنفة


١ السجدة ١٨.
٢ ٥٨.
٣ ٧٦.
٤ ٢١.
٥ ١١٣.