للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أولى المذاهب عندي في المطلق والمقيد أن يعتبر أغلظهما؛ فإن كان المطلق حمل المقيد عليه وإن كان المقيد حمل المطلق عليه؛ لئلا يؤدي إلى إسقاط ما تيقنًا وجوبه بالاحتمال، وحكاه عنه صاحب البحر ساكتًا عليه. وهو كلام عجيب فإن المقيد أبدًا أغلظ من المطلق لاشتماله عليه، فأي شيء هو غير مذهب الشافعي "رضي الله عنه"، فإن قال في "أعتق رقبة" مثلًا إنه مطلق و"أعتق معينة" أنه مقيد، وإن قال: أجوز غير المعينة حملًا للفظ على إطلاقه؛ فيقال له إن كان ذلك لقياس فإن إجزاء المعينة يقتضي إجزاء غيرها بطريق الأولى. فنحن لا ننكره وليس مما نحن فيه. وإن كان لا قياس فهو إسقاط للفظ الشارع بلا موجب؛ بل متى أمكن تعين المعينة تعينت وكنا قد علمنا بالمطلق والمقيد جميعًا، لأن المطلق لا ينافيها.

مسألة:

"المختار إذا نسخ حكم الأصل لا يبقى معه حكم الفرع". ومعنى ذلك أنه إذا ثبت حكم من الأحكام في مسألة مثلًا بنص ثم استنبطنا منه علة، أو كانت منصوصة وألحقنا بالحكم المنصوص ما ليس بمنصوص قياسًا ثم نسخ الأ صل الذي استنبطنا منه القياس تداعي ذلك إلى ارتفاع القياس المستنبط عنه وخالفت الحنفية في ذلك.

وعليه مسائل: منها: قالوا: لا يجوز التوضؤ بالنبيذ المسكر النيء ويجوز بالمطبوخ وقالوا: قد توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنيء١ وألحق به المطبوخ قياسًا ثم نسخ الوضوء بالنيء وبقي التوضؤ بالمطبوخ.

ومنها: ادعوا أن صوم يوم عاشورا كان واجبًا ويجوز إيقاع النية فيه نهارًا بالإجماع. قالوا: وألحق به رمضان قياسًا.

قلنا لهم: قد نسخ صوم [يوم] ٢ عاشوراء إن اتفق إيجابه، قالوا: قد ينسخ الأصل ويبقى حكم القياس في الفرع.

ومنها: قال علماؤنا: يكره شرب المنصف والخليط وسببه أن الشدة والإسكار


١ روى من حديث ابن مسعود وابن عباس فحديث ابن مسعود رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وحديث ابن عباس رواه ابن ماجه في السنن.
وانظر الكلام على هذين الطريقتين مفصلًا في نصب الراية للزيلعي ١٣٧- ١٤٨.
٢ سقط في "ب".