للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع حديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبًا من جماع غير احتلام١.

فالذين ذهبوا إلى العمل بالقول، وقالوا: من أصبح جنبًا فلا صوم له. شذوذ من الناس والجماهير عملوا بالحديث الآخر مفنهم من ادعى النسخ في الأول كالخطابي ولعله قامت عنده الدلالة على تقدم تاريخه، ومنهم من ترجح عنده حديث الفعل لموافقة دلالة الآية وبمرجحات أخرى.

ونحن إذا قلنا بعدم القول فذلك من حيث أنه قول وقد يعضد الفعل أمور تصيره أرجح.

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "الثيب بالثيب جلد مائة والرجم" ٢؛ قول عارضه أنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا ولم يجلده٣، وقد ذهب أحمد رضي الله عنه وإسحاق وداود وابن المنذر إلى العمل بالقول فجمعوا على الثيبت بين الجلد والرجم.

وذهب الجمهور إلى العمل بالفعل وذكروا أن الجمع بينهما منسوخ، ويمكن أن يقال: إن هذا الفعل عضده قول آخر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" ٤.

الحديث ليس فيه ذكر جلد. ولو كان لبينة فيتساقط القولان ولا يخفي أن الفعل إنما يكون مرجوحًا بالنسبة إلى القول إذا لم يعضده قول، أما إذا عضده فالفعل أرجح. وهذا واضح وبه صرح أبو الحسن السهيلي في كتاب أدب الحديث.

تنبيه: التقرير فعل غير أنه مرجوح بالنسبة إلى الفعل المستقبل. فالمراتب ثلاث قول ثم فعل غير تقرير ثم تقرير؛ وإنما لم يذكر الأصوليون التقرير في مسألة تعارض الأقوال والأفعال لدخوله في الفعل وفي باب التراجيح عند التمييز بينهما. قالوا: الفعل أرجح من التقرير ومن أمثلة تعارض التقرير مع القول قوله صلى الله عليه وسلم في الإمام: "إذا صلى


١ البخاري ٤/ ١٥٣ في الصوم حديث "١٩٣٠" ومسلم ٢/ ٧٨٠ في الصيام حديث "٧٦/ ١١٠٩".
٢ مسلم ٣/ ١٣١٦ في الحدود "١٢/ ١٦٩٠".
٣ مسلم ٣/ ١٣٢٣١ في الحدود حديث "٢٣/ ١٦٩٥".
٤ انظر البخاري ١١/ ٥٢٣ في الإيمان والنذور "٦٦٣٣"، ومسلم ٣/ ١٣٢٤٧ في الحدود "٢٥/ ١٦٩٧- ١٦٩٨".