للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون" ١ مع كونه صلى الله عليه وسلم جالسًا في آخر مرض موته والناس خلفه قيام٢ وأقرهم على ذلك.

فذهب قوم إلى تقديم القول جريًا على الأصل وزعموا أن فرض القيام قد يسقط بالصلاة خلف الجالس وإن عذره كالعذر لهم وعلى هذا من أصحابنا ابن خزيمة وابن حبان، وقال الجمهور منهم الشافعي رضي الله عنه هذا التقرير آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم وهو ناسخ للقول المتقدم؛ فهذا مثال لتقرير رفع حكمًا سابقًا عليه ثابتًا بالقول، وقد يرفع القول حكمًا ثابتًا بالتقرير، وهذا أولى من القسم فإنه إذا ارتفع القول [بالتقرير] ٣ فإن يرتفع التقرير بالقول أولى وأحرى.

ومثاله: ما في صحيح مسلم٤ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتمًا من ذهب فصنع الناس خواتيم الذهب ثم جلس على المنبر فنزعه فرمى به ثم قال: "والله لا ألبسه أبدًا" فنبذ الناس خواتيمهم. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن التختم بالذهب٥.

وقضى العلماء بأن هذا التحريم ناسخ للإباحة التي استفيدت من تقريره الناس على متابعته في اتخاذ خواتيم الذهب. وهذا عندي موقوف على أن يكونوا لبسوه، وأن يكون جواز لبسهم كان مأخوذًا من التقرير لا من فعله صلى الله عليه وسلم المجرد؛ وإلا فهو قول نسخ فعلًا غير تقرير لا تقريرًا.

ومن مشكل هذا الباب أمر تحريم الخمر فسماعي من الوالد رحمه الله أنه لم يكن نسخًا لأن شربهم إياها قبل التحريم ما كان بحكم شرعي بل بالبراءة الأصلية.

وقصة حمزة تدل على وجود تقرير، وفي هذا بحث بيني وبين الشيخ الإمام ذكرته في "شرح المختصر" في مسألة التقرير وليس هو قصدي بالإشكال هنا؛ وإنما قصدي حديث رواه مسلم عن أبي سعيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أيها الناس إن الله


١ البخاري ٢/ ١٧٣ في الأذان "٣٨٩" ومسلم ١/ ٣٠٨ في الصلاة "٧٧/ ٤١١".
٢ البخاري ٢/ ١٧٢- ١٧٣ في الأذان "٦٨٧" ومسلم ١/ ٣١١- ٣١٢ في الصلاة "٩٠/ ٤١٨".
٣ في "بط بالتقرير بالقول.
٤ أخرجه البخاري ١٠/ ٣٢٥ في اللباس "٥٨٧٦"، ومسلم ٣/ ١٦٥٥ في اللباس "٥٣/ ٢٠٩١".
٥ انظر صحيح مسلم ٣/ ١٦٤٨ في كتاب اللباس حديث "٣٣٦٦".