للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعرض بالخمر ولعل الله سينزل فيها أمرًا، فمن كان عنده منها شيء فليبعه أو لينتفع به".

قال: فما لبثنا إلا يسيرًا حتى قال: صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبيع" ١.

ظاهره يدل على أنها أبيح بيعها والانتفاع بها قبل التحريم بإذن شرعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يرد على من يدعي أنها لم تحل قط، ثم هذا البيع المأذون فيه لعله من كافر لا ينتهي بالنهي حال نزول التحريم وإلا فالبائع والمشتري واحد وإذا كان من كافر ففيه دليل على أن الكافر يبيع الخمر وهو حرام عليه لا سيما عند من نكلفه بالفروع، [وقد قدمنا في مسألة تكليفه بالفروع] ٢ من نص الشافعي رضي الله عنه ما ينازع في ذلك؛ ففي الحديث إشكال لعل الله ييسر حله، فما إشكاله من وجه واحد، بل من وجوه متعددة.

تنبيه ثان:

"الكف فعل على المختار"، وأقول على هذا أنها مرتبة بين التقرير والسكوت، فالمراتب إذًا أربع: قول، ففعل مستقبل، فتقرير، فكف -وإليه الإشارة "بقولي" في كتاب التراجيح من جمع الجوامع والقول، فالفعل غير التقرير، فالتقرير، فالكف، فالسكوت، ولنمثل لتعارض الكف والتقرير بكفه صلى الله عليه وسلم عن أكل لحم الضب وتقريره إياهم على أكله لما أكلوه بين يديه وإن كان صلى الله عليه وسلم نبه على سبب امتناعه وهو العيافة لما لم يكن بأرضه قومه٣.

وكذلك ما كان الناس يزيدون في تلبيتهم عام حجة الوداع على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: "لبيك ذا المعارج" ونحوه من الكلام فيسمعه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقول لهم شيئًا؛ كذا رواه أبو داود٤، وروى مسلم٥ معناه فقد كف عن قول أقرهم عليه وما ذلك فيما يعتقد إلا بجوازه ومرجوحيته بالنسبة إلى ما كان هو صلى الله عليه وسلم يقول: أو لأن كلًا من الألفاظ شائع، ثم الأفضل لنا التأسي أو لا حجر أصلًا؟ كل ذلك محتمل:

تنبيه ثالث:

"قد علم أن أفعاله عليه الصلاة السلام حجة وأن التقرير فعل وكذلك


١ مسلم ٣/ ١٢٠٥ في المساقاة "٦٧/ ١٥٧٨".
٢ سقط من "ب".
٣ البخاري ٩/ ٦٦٢ حديث "٥٥٣٧" ومسلم ٣/ ١٥٤٢ "٤٤/ ١٩٤٦".
٤ ٢/ ١٦٢ في كتاب المناسك/ باب كيفية التلبية "١٨١٣".
٥ انظر صحيح مسلم ٢/ ٨٤٢- ٨٤٣.