للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هريرة، فيرجع إليه، وكذلك: نجد أبا هريرة يسأل عبد الله بن سلام، عن تحديد هذه الساعة، ويقول له: أخبرني ولا تضنَّ علي، فيجيبه ابن سلام، بأنها آخر ساعة في يوم الجمعة، فيرد عليه أبو هريرة بقوله: كيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة، وقد قال الرسول: "لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي"؟!، وتلك الساعة لا يصلى فيها، فيجيبه بقوله: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي"؟ ١.

ولو أن الصحابة راجعوا أهل الكتاب في كل مروياتهم التي أخذوها عنهم، لكان من وراء ذلك خير كثير، ولخلت كتب التفسير من هذا الركام من الإسرائيليات، التي تصادم العقل السليم، والنقل الصحيح، ولكن هذا ما كان.

ومع هذا: لم نعلم أحدًا طعن فيه، ورماه بالكذب والاختلاق إلا ما كان من بعض المتأخرين٢.

ومهما يكن من شيء فقد تبين لنا أنه ما كان وضاعا يعتمد الكذب، وأن الإسرائيليات التي رواها، إن كان وقع فيها كذب، وأباطيل، فذلك يرجع إلى من نقل عنهم من أسلافه الذين حرفوا وبدلوا، وإلى بعض كتب اليهود التي حشيت بالأكاذيب، والخرافات وإما إلى خطئه في التأويل كما في قصة ذي القرنين، وزعم كعب أنه كان يربط خيله في الثريا، ويفسر بعض الآيات الواردة في القصة بذلك.

وإما إلى إستناده إلى الظن والحدس من غير دليل، كما في قصته مع الصحابي الجليل أبي هريرة في الساعة التي في يوم الجمعة، وزعمه أنها في جمعة واحدة في السنة، لا في كل جمعة، ثم رجوعه إلى ما رآه أبو هريرة من أنها في كل جمعة من العام.

ومع هذا: ترى أنه كان أولى به وأجمل وهو عالم مسلم، لو أنه تحرى الحق، والصدق، وميز في مروياته بين الغث والسمين، وما يجوز نقله، وما لا يجوز، فإن ناشر مثل هذا لا يخلو من مؤاخذة وإثم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "من


١ التفسير والمفسرون ج ١ ص ١٧٠، ١٧١، عن القسطلاني ج ٢ ص ١٩٠.
٢ هو السيد محمد رشيد رضا في مقدمة تفسير "المنار" ج ١ ص ٩، والأستاذ أحمد أمين في فجر الإسلام ص ١٩٨، وفي ضحاه وكذلك قالا في وهب بن منبه.

<<  <   >  >>