للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثلاثا، وضربه ثلاثا، فقال له الرجل: ما لي يا أمير المؤمنين؟! قال: أنت الذي نسخت كتاب دانيال؟ ١، قال: مرني بأمرك أتبعه، قال: انطلق فامحه بالحميم٢، والصوف الأبيض، ثم لا تقرأه، ولا تقرئه أحدا من الناس، فلئن بلغني عنك أنك قرأته، أو أقرأته أحدًا من الناس، لأنهكنك عقوبة، ثم قال: اجلس، فجلس بين يديه، فقال: انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب، ثم جئت به في أديم٣، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا في يدك يا عمر؟ " قلت: يا رسول الله: كتاب نسخته؛ لنزداد به علما إلى علمنا، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه، ثم نودي بالصلاة جامعة فقالت الأنصار: أغضب نبيكم؟ السلاح السلاح، فجاءوا حتى أحدقوه بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم، وخواتيمه، واختصر لي اختصارا، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية، فلا تهوكوا، ولا يغرنكم المتهوكون" ٤.

قال عمر: فقمت، فقلت: "رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا وبك رسولا، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم" وروى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي بسنده عن جبير بن نفير: أن رجلين كانا بحمص في خلافة عمر رضي الله عنه فأرسل إليهما فيمن أرسل من أهل حمص، وكان قد اكتتبا من اليهود شيئا في صحيفة، فأخذاها معهما يستفتيان فيهما أمير المؤمنين عمر، فلما قدما عليه قالا: إنا بأرض أهل الكتاب، وإنا نسمع منهم كلاما تقشعر منه جلودنا، أفنأخذ منه ونترك؟ فقال: سأحدثكما ... ثم ذكر قصته لما كتب شيئا أعجبه من كلام اليهود، وقرأه عليه، فغضب الرسول، وصار يمحوه بريقه ويقول: "لا تتبعوا هؤلاء؛ فإنهم قد هوكوا، وتهوكوا" ٥، حتى محا آخره، حرفا حرفا، ثم قال عمر: فلو علمت أنكما كتبتما منه شيئا جعلتكما نكالا لهذه الأمة، قالا: والله ما نكتب منه شيئا، ثم خرجا بصحيفتهما، فحفرا لها، وعمقا في الحفر، ودفناها، فكان آخر


١ أحد أنبياء بني إسرائيل.
٢ الماء الحار.
٣ أديم: جلد.
٤ في القاموس: "المنهوك المتحير" أي المتحيرون الشاكون.
٥ أي شكوا، وشككوا غيرهم.

<<  <   >  >>