للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلبهم، وعدتهم، وعصا موسى من أي الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به المقتول من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى، إلى ذلك١، مما أبهمه الله في القرآن الكريم، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم، ولا دينهم، ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز، كما قال تعالى:

{سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} ٢.

فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام: وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة اقوال، ضعف القولين الأولين، وسكت عن الثالث، فدل على صحته؛ إذ لو كان باطلا لرده على ردهما، ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: {قل ربي أعلم بعدتهم} ، فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس، ممن أطلعه الله عليه، فلهذا قال: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} ،

أي لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك، فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب، فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأنه ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف، وثمرته، لئلا يطول النزاع، والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل عن الأهم، فأما من حكى خلافا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكى الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضا، فإن صحح غير الصحيح عامدا، فقد تعمد الكذب، أو جاهلا، فقد أخطأ، كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا، ويرجع حاصلها إلى قول، أو قولين معنى، فقد ضيع الزمان، وأكثر مما ليس بصحيح، فهو


١ مما ذكر آنفا في مقالته السابقة ولم يذكره هنا.
٢ الكهف: ٢٢.

<<  <   >  >>