للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجزم بالصدق منه، فالبحث عنه مما لا فائدة فيه، والكلام فيه من فضول الكلام، وأما ما يحتاج المسلمون إلى معرفته: فإن الله نصب على الحق فيه دليلا.

فمثال ما لا يفيد، ولا دليل على الصحيح منه: اختلافهم في أحوال "أصحاب الكهف"، وفي البعض الذي ضرب به موسى البقرة، وفي مقدار سفينة نوح، وما كان خشبها، وفي اسم الغلام الذي قتله الخضر، ونحو ذلك، فهذه الأمور طريق العلم بها: النقل، وما لم يكن كذلك، بل كان يؤخذ من أهل الكتاب، كالمنقول عن كعب، ووهب، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم ممن أخذ عن أهل الكتاب، فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم، ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه، وإما أن يحدثوا بباطل فتصدقوه".

وكذلك: ما نقل عن التابعين، وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب، فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض، وما نقل في ذلك عن بعض الصحابة نقلا صحيحا: فالنفس إليه أسكن مما نقل عن بعض التابعين؛ لأن احتمال أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، أو من بعض من سمعه منه أقوى من نقل التابعي، ومع جزم الصاحب فيما يقوله، كيف يقال: إنه أخذه من أهل الكتاب وقد نهوا عن تصديقهم١؟! والمقصود بيان أن الاختلاف الذي لا يعلم صحيحه، ولا يفيد حكاية الأقوال فيه: هو كالمعرفة لما يروى من الحديث الذي لا دليل على صحته، وأمثال ذلك. وأما القسم الأول الذي يمكن معرفة الصحيح منه: فهذا موجود فيما يحتاج إليه، ولله الحمد٢.

وقال في وضع آخر: "وغالب ذلك: يعني المسكوت عنه مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني، ولهذا تختلف أقوال علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا، ويأتي عن المفسرين خلاف بذلك كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون


١ قد أجبنا عن ذلك: بأنهم أخذوا عنهم لما فهموا من الإذن والإباحة من قوله صلى الله عليه وسلم حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" ما دام لم يدل دليل على كذبه.
٢ مقدمة في أصول التفسير ص ١٨-٢٠.

<<  <   >  >>