للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيت عرف بالعلم، والفضل، والدين، تتلمذ على والده، وغيره من العلماء، وعلَّ من معينه بعد نَهْلٍ، حتى صار علما من أعلام العلم، تولى التدريس مدة، ثم ولى القضاء، وصار يتنقل فيه من بلد إلى بلد، حتى انتهى به الأمر إلى الإفتاء، وكان أبو السعود عالما، أديبا، متمكنا من اللغات الثلاث العربية، والفارسية، والتركية، وقد مكنت له معرفته بهذه اللغات الاطلاع على الكثير من الكتب التي أُلِّفَتْ بها، فاكتسب علمًا غزيرًا، ولم يدع له التدريس، وولاية القضاء، والتنقل بين البلاد مجالا للتأليف، فلم يترك لنا إلا تفسيره هذا، وبعض حواشٍ أخرى على تفسير الكشاف، وعلى شرح العناية على الهداية، وهي ناقصة، وبعد هذه الحياة العلمية الحافلة توفي بالقسطنطينية في أوائل جمادي الأولى سنة اثنتين وثمانين، وتسعمائة من الهجرة، ودفن بجوار الصحابي الجليل: أبي أيوب الأنصاري، فرضي الله عنه، وأرضاه.

منهجه في تفسيره وقيمته العلمية:

اشتغل العلامة أبو السعود في حياته بتدريس الكتابين المشهورين: الكشاف، وتفسير البيضاوي، حتى في الأوقات التي كان يخرج فيها مع السطان سليمان القانون غازيا، كان يشتغل بالتدريس لطلبته الذين كانوا لا يفارقونه، وقد كانت نفسه تتوق إلى تفسير جامع بين تفسير الكشاف، وتفسير البيضاوي، وأن يضيف إليهما ما اكتسبه من غيرهما من الكتب، ومن الفهوم التي فتح الله بها عليه في تفسير القرآن حتى حقق الله هذه الأمنية في آخر حياته، فكان ثمرة ذلك هذا التفسير العظيم الذي اشتهر بشهرة صاحبه، وعكف أهل العلم من يومها على دراسته، وسماه: "إرشاد العقل السليم، إلى مزايا القرآن الكريم"١، ولكنه خلصه من اعتزاليات الزمخشري، ونهج فيه منهج أهل السنة.

ومن أهم مميزات هذا التفسير: أنه خال من الاستطرادات والتوسع في ذكر الأحكام الفقهية والنحوية، ويكاد يكون خالصا للتفسير، وقد عني فيه عناية بالغة بإبراز وجوه البلاغة وأسرار الإعجاز في القرآن الكريم، ولا سيما في باب الفصل والوصل، ووجوه المناسبات بين الآيات، ولما كان أبو السعود ليس عربي المربى، وتغلب عليه الناحية العقلية، فقد جاءت عباراته وأساليبه في تفسيره فيها شيء كثير من العمق والدقة اللذين


١ تفسير أبي السعود على هامش تفسير الفخر الرازي ص ١٩ وما بعدها.

<<  <   >  >>