للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى يزداد القارئ يقينا أنها دخيلة على القرآن الكريم، وإليك التفسير الصحيح.

قوله تعالى: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} ١.

وليس في الآية ما يدل ولو من بعد على هذه القصة المنكرة، وليس السبب في نزول الآية ذلك، وإنما السبب: أن الشياطين في ذلك الزمن السحيق كانوا يسترقون السمع من السماء، ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلفقونها، ويُلْقُونها إلى كهنة اليهود وأحبارهم. وقد دوَّنها هؤلاء في كتب يقرؤونها، ويعلمونها الناس، وفشا ذلك في زمن سليمان عليه السلام حتى قالوا: هذا علم سليمان وما تم لسليمان ملكه إلا بهذا العلم، وبه يسخر الإنس، والجن، والريح التي تجري بأمره، وهذا من افتراءات اليهود على الأنبياء، فأكذبهم الله بقوله: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} ٢.

ثم عطف عليه: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} فالمراد بما أنزل هو: علم السحر الذي نزلا ليعلماه الناس، حتى يحذروا منه، فالسبب في نزولهما هو: تعليم الناس أبوابا من السحر، حتى يعلم الناس الفرق بين السحر والنبوة، وأن سليمان لم يكن ساحرا، وإنما كان نبيا مرسلا من ربه، وقد احتاط الملكان عليهما السلام غاية الاحتياط، فما كانا يُعلِّمان أحدا شيئا من السحر حتى يُحذِّراه، ويقولا له: إنما نحن فتنة أي بلاء واختبار، فلا تكفر بتعلمه والعمل به، وأما من تعلمه للحذر منه، وليعلم الفرق بينه وبين النبوة والمعجزة؛ فهذا لا شيء فيه، بل هو أمر مطلوب، مرغوب فيه إذا دعت الضرورة إليه، ولكن الناس ما كانوا يأخذون بالنصيحة، بل كانوا يفرقون به بين المرء وزوجه، وذلك بإذن الله ومشيئته، وقد دلت الآية: على أن تعلم السحر لتحذير الناس من الوقوع فيه والعمل به


١ البقرة: ١٠٢.
٢ لأن تعلم السحر للعمل به كفر.

<<  <   >  >>