للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومجاهد إلى أنها لم تنزل؛ وذلك لأن الله سبحانه لما توعدهم على كفرهم بعد نزولها بالعذاب البالغ غاية الحد خافوا أن يكفر بعضهم، فاستعفوا، وقالوا: لا نريدها فلم تنزل، ولا أدرى ما الحامل لهم على هذا؟!

وقد أحيطت المائدة بأخبار كثيرة، أغلب الظن: أنها من الإسرائيليات رويت عن وهب بن منبه، وكعب، وسلمان، وابن عباس، ومقاتل، والكلبي، وعطاء، وغيرهم، بل رووا في ذلك حديثًا عن عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنها نزلت خبزًا ولحمًا، وأمروا أن لا يخونوا، ولا يدخروا لغد" وفي رواية: بزيادة "ولا يخبئوا، فخانوا وادخروا، ورفعوا لغد، فمسخوا قردة وخنازير"، ورفع مثل هذا إلى النبي غلط، ووهم من أحد الرواة على ما أرجح، فقد روى هذا ابن جرير في تفسيره مرفوعان وموقوفان والموقوف أصح، وقد نص على أن المرفوع لا أصل له الإمام أبو عيسى الترمذي فقال: بعد أن روى الروايات المرفوعة: "هذا حديث قد رواه أبو عاصم وغير واحد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلاس، عن عمار بن ياسر موقوفا، ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث الحسن بن قزعة"، وبعد أن ذكر رواية موقوفة عن أبي هريرة، قال: "وهذا أصح من حديث الحسن بن قزعة، ولا نعرف للحديث المرفوع أصلا"١.

وقد اختلفت المرويات في هذا، فروى العوفي عن ابن عباس: أنها خوان عليه خبز وسمك، يأكلون منه أينما نزلوا، إذا شاءوا، وقال عكرمة عن ابن عباس: كانت المائدة سمكة، وأريغفة٢، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: أنزل على المائدة كل شيء إلا الخبز واللحم.

وقال كعب الأحبار: نزلت المائدة تطير بها الملائكة بين السماء والأرض، عليها كل الطعام إلا اللحم.

وقال وهب بن منبه: أنزلها من السماء على بني إسرائيل، فكان ينزل عليهم في كل يوم في تلك المائدة من ثمار الجنة، فأكلوا ما شاءوا من ضروب شتى، فكان يقعد عليها أربعة ألاف، وإذا أكلوا أنزل الله مكان ذلك لمثلهم فلبثوا على ذلك ما شاء الله عز وجل.


١ سنن الترمذي، كتاب التفسير، باب: سورة المائدة.
٢ التصغير للتقليل هنا.

<<  <   >  >>