للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال وهب أيضا: نزل عليهم أقرصة من شعير، وأحوات١، وحشا الله بين أضعافهن البركة، فكان قوم يأكلونن ثم يخرجون، ثم يجيء آخرون فيأكلون، ثم يخرجون، حتى أكل جميعهم، وأفضلوا، وهكذا لم يتفق الرواة على شيء، مما يدل على أنها إسرائيليات مبتدعة، وليس مرجعها إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم والحق أبلج، والباطل لجلج لا يُتفق عليه غالبا.

وسأكتفي بذكر الرواية الطويلة التي ذكرها ابن أبي حاتم، في تفسيره بسنده، عن وهب بن منبه، عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه وخلاصتها: "أن الحواريين لما سألوا عيسى ابن مريم عليه السلام المائدة كره ذلك؛ خشية أن تنزل عليهم، فلا يؤمنوا بها، فيكون فيها هلاكهم، فلما أبوا إلا أن يدعو لهم الله لكي تنزل، دعا الله، فاستجاب له، فأنزل الله تعالى سفرة حمراء بين غمامتين؛ غمامة فوقها وغمامة تحتها، وهم ينظرون إليها في الهواء منقضة من السماء، تهوي إليهم، وعيسى عليه الصلاة والسلام يبكي خوفا من الشرط الذي اتخذ عليهم فيها فما زال يدعو حتى استقرت السفرة بين يديه، والحواريون حوله يجدون رائحة طيبة، لم يجدوا رائحة مثلها قط، وخرَّ عيسى عليه الصلاة والسلام والحواريون سجَّدًا، شكرا لله تعالى وأقبل اليهود ينظرون إليهم، فرأوا ما يغمهم، ثم انصرفوا، فأقبل عيسى عليه السلام ومن معه ينظرونها فإذا هي مغطاة بمنديل، فقال عليه السلام: من أجرؤنا على كشفه، وأوثقنا بنفسه، وأحسننا بلاء عند ربه، حتى نراها، ونحمد ربنا سبحانه وتعالى ونأكل من رزقه الذي رزقنا؟ فقالوا: يا روح الله وكلمته، أنت أولى بذلك، فقام واستأنف وضوءا جديدا، ثم دخل مصلاه، فصلى ركعات، ثم بكى طويلا، ودعا الله تعالى أن يأن له في الكشف عنها، ويجعل له ولقومه فيها بركة، ورزقا، ثم انصرف، وجلس حول السفرة وتناول المنديل، وقال: بسم الله خير الرازقين، وكشف عنها، فإذا عليها سمكة ضخمة مشوية، ليس عليها بواسير٢، وليس في جوفها شوك، يسيل السمن٣.


١ أحوات: جمع حوت، في القاموس: الحوت: السمك، جمعه: أحوات، وحوتة، وحيتان.
٢ أي: قشر، ففي رواية البغوي: ليس عليها فلوسها.
٣ أي: الدهن؛ لسمنها.

<<  <   >  >>