ويرحم الله الإمام الحافظ الناقد ابن كثير، حيث قال في تفسيره:
"وقد روى ابن جرير في هذا المكان حديثا أسنده عن حذيفة مرفوعا مطولا، وهو حديث موضوع لا محالة، لا يستريب في ذلك من عنده أدنى معرفة بالحديث، والعجب كل العجب، كيف راجَ عليه مع جلالة قدره، وإمامته، وقد صرح شيخنا: أبو الحجاج المزي رحمه الله بأنه موضوع مكذوب، وكتب ذلك على حاشية الكتاب يعني كتاب تفسير ابن جرير وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية، لم أرَ تطويل الكتاب بذكرها، لأن منها: ما هو موضوع من وضع بعض زنادقتهم، ومنها: ما قد يحتمل أن يكون صحيحا، ونحن في غنية عنها ولله الحمدن وفيما قص الله علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله، ولم يحوجنا الله، ولا رسوله إليهم، وقد أخبر الله عنهم أنهم لما طغَوا، وبغَوا سلط الله عليهم عدوهم، فاستباح بيضتهم، وسلك خلال بيوتهم، وأذلهم، وقهرهم جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد، فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقا كثيرا من الأنبياء والعلماء١.
التفسير الصحيح للآية:
وهذا هو الحق الذي ينبغي أن يصار إليه في الآية، والقصص القرآني لا يعنى بذكر الأشخاص، ولا الأماكن؛ لأن الغرض منه العبرة، والتذكير، والتعليم والتأويل، والذي دلت عليه الآية: أنهم أفسدوا مرتين في الزمن الأول، وظلموا وبغوا، فسلط الله عليهم في الأولى من أذلهم وسباهم، ولا يغنيني أن يكون هذا "سنجاريب" أو "بختنصر" وجيشه؛ إذ لا يترتب على العلم به فائدة تُذكر، وسلط الله عليهم في الثانية من أذلهم، وساء وجوههم، ودخل المسجد الأقصى، فأفسد فيه، ودمر، ولا يعنينا أن يكون هذا الذي نكل بهم هو: "طيطوس" الروماني أو غيره؛ لأن المراد من سياق قصته ما قضاه الله على بني إسرائيل أنهم أهل فساد، وبطر، وظلم، وبغي، وأنهم لما أفسدوا وطغوا، وتجبروا سلطه الله عليهم من عباده من نكل بهم، وأذلهم، وسباهم، وشردهم، ثم إن الآيات دلت أيضا على أن بني إسرائيل لا يقف طغيانهم، وبغيهم، وإفسادهم عند المرتين الأوليين، بل الآية توحي بأن ذلك مستمر إلى ما شاء الله، وأن الله سيسلط عليهم من