للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير متحقق بالإيمان، أو ضعيف التحقيق، أو يعتمد على قول مفسر ليس عنده علم، أو راجع إلى معقوله، وهذه كلها حجب، وموانع بعضها آكد من بعض.

قال السيوطي: ويدل على هذا المعنى: قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} ١ قال سفيان بن عيينة: يقول: "أنزع عنهم فهم القرآن" أخرجه ابن أبي حاتم٢.

أقول: وعلم الموهبة ثمرة من ثمرات التقوى، والتقوى لها معنيان: معنى نفسي وهو: خشية الله ومراقبته في السر والعلن، وهذا هو ما أراده النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: "التقوى ههنا" ثلاثا، وأشار إلى صدره، رواه مسلم، ومعنى ظاهري، وهو الاستقامة على الدين، وذلك بامتثال المأمورات، واجتناب المنهيات، وقد تسمو بصاحبها، فتصل به إلى حد فعل النوافل والمستحبات أيضا، واتباع مكارم الأخلاق، وتوقي الشبهات، خشية الوقوع في المآثم والمحرمات، والتقوى بمعنييها لا بد منها لمن يتصدى لشرح كتاب الله، وفي هذا المعنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} ٣ أي معنى في القلب يفرق به بين الحق والباطل.

وليتمثل المفسر لكتاب الله أنه يفسر كلامًا لا ككلام الناس، وأنه قائم بين يدي الله الواحد، الأحد، الجبار، الكبير، المتعال، المنتقم وأن أي تقصير، أو تساهل فيه، يعتبر كذبا على الله، وافتراءًَ عليه.

وسلوا بطانات الملوك، والرؤساء، والأمراء، والوزراء ينبئوكم بأن الواحد منهم محسوب عليه كل كلمة، بل كل حرف ينطق به ومؤاخذ على كل ما يصدر منه مهما قَلَّ، وأن كلمة يقولها، ربما تطيح بعنقه، أو تقصيه عن منصبه، فما بالكم بمن يفسر كلام رب الأرباب وملك الملوك؟!! ويقول: مراد الله كذا، أو عني الله كذا؟!

وهذا هو السر في أن بعض كبار الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم كان يتحرج غاية


١ الأعراف: ١٤٦.
٢ الإتقان ج ٢ ص ١٨٠- ١٨٢.
٣ الأنفال: ٢٩ والفرقان: مصدر كالرجحان والغفران.

<<  <   >  >>