للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكريم، قال ابن كثير في تفسيره: ومن زعم أن المراد بقوله: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} : مدينة إما دمشق، أو اسكندرية، أو غيرها، ففيه نظر، فإنه كيف يلتئم الكلام على هذا: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} إن جعل بدلا أو عطف بيان١؟ فإنه لا يتسق الكلام حينئذ، ثم المراد إنما هو الإخبار عن إهلاك القبيلة المسماة بعاد، وما أحل الله بهم من بأسه الذي لا يرد، لا المراد الإخبار عن مدينة أو إقليم، وإنما نبهت على ذلك؛ لئلا يُغتَرَّ بكثير مما ذكره جماعة من المفسرين عن هذه الآية، من ذكر مدينة يقال لها: إرم ذات العماد، مبنية بلبن الذهب والفضة، وأن حصباءها لآلئ وجواهر، وترابها بنادق المسك ... فإن هذا كله من خرافات الإسرائيليين، من وضع بعض زنادقتهم؛ ليختبروا بذلك القول الجهلة من الناس أن تصدقهم في جميع ذلك، وقال فيما روي عن ابن قلابة: فهذه الحكاية ليس يصح إسنادها، ولو صح إلى ذلك الأعرابي فقد يكون اختلق ذلك، أو أصابه نوع من الهوس، والخيال، فاعتقد أن ذلك له حقيقة في الخارج، وهذا ما يقطع بعدم صحته٢، وهذا قريب مما يخبر به كثير من الجهلة، والطامعين، والمتحيلين من وجود مطالب تحت الأرض فيها قناطير الذهب والفضة ... فيحتالون على أموال الأغنياء والضعفة، والسفهاء، فيأكلونها بالباطل، في صرفها في بخاخير، وعقاقير، ونحو ذلك من الهذيانات، ويطنزون بهم.

الصحيح في تفسير الآية:

والصحيح في تفسير الآية: أن المراد بعاد، إرم ذات العماد، قبيلة عادة المشهورة، التي كانت تسكن الأحقاف، شمالي حضرموت، وهي عاد الأولى، التي ذكرها الله سبحانه في سورة النجم، قال سبحانه: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} ، ويقال لمن بعدهم: عاد الآخرة وهم ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح، قال ابن إسحاق وغيره: وهم الذين بعث فيهم رسول الله هودًا عليه السلام فكذبوه، وخالفوه، فأنجاه الله من بين أظهرهم، ومن آمن معه منهم، وأهلكهم {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ


١ أي لفظ، إرم ... بدل من عاد أو عطف بيان.
٢ تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٩٦.

<<  <   >  >>