للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَخْلٍ خَاوِيَةٍ، َهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَة} ؟

وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير ما وضع؛ ليعتَبِر بمصرعهم المؤمنون، فقوله تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَاد} : بدل من عاد أو عطف بيان زيادة تعريف بهم، وقوله تعالى: {ذَاتِ الْعِمَادِ} لأنهم كانوا في زمانهم أشد الناس خلقة، وأعظمهم أجساما، وأقواهم بطشا، وقيل: ذات الأبنية التي بنوها، والدور، والمصانع التي شادوها، وقيل: لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التي ترفع بالأعمدة الغلاظ الشداد، والأول أصح وأولى، فقد ذكرهم نبيهم هود بهذه النعمة، وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة الله تبارك وتعالى الذي خلقهم ومنحهم هذه القوة فقال: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ١. وقال تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} ٢. وقوله هنا: {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاد} أي القبيلة المعروفة المشهورة التي لم يخلق مثلها في بلادهم، وفي زمانهم؛ لقوتهم، وشدتهم وعظم تركيبهم.

ومهما يكن من تفسير ذات العماد: فالمراد القبيلة، وليس المراد مدينة، فالحديث في السورة إنما هو عمن مضى الأقوام الذين مكن الله لهم في الأرض، ولما لم يشكروا نعم الله عليهم، ويؤمنوا به وبرسله، بطش بهم، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، ففيه تخويف لكفار مكة، الذين هم دون هؤلاء في كل شيء وتحذيرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب هؤلاء.

ما روي في عظم طولهم لا يصح:

وليس معنى قوتهم، وعظم خلقهم، وشدة بطشهم، أنهم خارجون عن المألوف في الفطرة، فمن ثم لا نكاد نصدق ما روي في عظم أجسامهم، وخروج طولهم عن المألوف المعروف حتى في هذه الأزمنة، فقد روى ابن جرير في تفسيره، وابن أبي حاتم وغيرهما عن قتادة قال: كنا نحدث أن إرم قبيلة من عاد، كان يقال لهم: ذات


١ الأعراف: ٦٩.
٢ فصلت: ١٥.

<<  <   >  >>