للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العماد، كانوا أهل، {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاد} ، قال: ذكرنا لنا أنهم كانوا اثنى عشر ذراعا١ طولا في السماء، وهذا من جنس ما روي في العماليق، وأغلب الظن عندي أن من ذكر لهم ذلك هم أهل الكتاب الذين أسلموا، وأنه من الإسرائيليات المختلقة.

وأيضا لا نكاد نصدق ما روي عن المعصوم صلى الله عليه وسلم في هذا، فقد روى ابن أبي حاتم، قال: حدثنا أبي، قال حدثنا أبو صالح كاتب الليث، قال: حدثني معاوية بن صالح، عمن حدثه، عن المقدام بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر إرم ذات العماد فقال: "كان الرجل منهم يأتي إلى الصخرة، فيحملها على كاهله، فيلقيها على أي حي أراد فيهلكهم" ٢ ولعل البلاء، والاختلاق فيه من المجهول، وروى مثله ابن مردويه٣.

ولعن الله من نسب مثل هذا الباطل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نشك أن هذا من عمل زنادقة اليهود والفرس وأمثالهم، الذين عجزوا أن يقاوموا سلطان الإسلام، فسلكوا في محاربته مسلك الدس، والاختلاق، بنسبة أمثال هذه الخرافات إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم، وأنا أعجب لمسلم يقبل أمثال هذه المرويات التي تزري بالإسلام، وتنفر منه، ولا سيما في هذا العصر الذي تقدمت فيه العلوم، والمعارف، وأصبح ذكر مثل هذا يثير السخرية، والاستنكار والاستهزاء.


١ حوالي ستة أمتار أو تزيد.
٢ تفسير ابن كثير ج ٨.
٣ الدر المنثور ج ٦ ص ٣٤٧.

<<  <   >  >>