للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كسوف القمر عبارة عن انمحاء ضوء القمر، بتوسط الأرض بينه، وبين الشمس، من حيث إنه يقتبس نوره من الشمس، والأرض كرة، والسماء محيط بها من الجونب، فإذا وقع القمر في ظل الأرض، انقطع عنه نور الشمس، وكقولهم: إن كسوف الشمس معناه: وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس، وذلك عند اجتماعهما في العقدتين على دقيقة واحدة، وهذا الفن أيضا لسنا نخوض في إبطاله؛ إذ لا يتعلق به غرض، ومن ظن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين فقد جنى على الدين، وضعف أمره؛ فإن هذه الأمور تقوم عليها براهين هندسية، وحسابية، لا تبقى معها ريبة، فمن يطلع عليها، ويتحقق أدلتها حتى يخبر بسببها عن وقت الكسوفين وقدرهما، ومدة بقائهما إلى الانجلاء، إذا قيل له: إن هذا خلاف الشرع لم يسترب فيه، وإنما يستريب في الشرع، وضرر الشرع ممن ينصره لا بطريقة، أكثر من ضرره ممن يطعن فيه بطريقة، وهو كما قيل: عدو عاقل خير من صديق جاهل.

فإن قيل: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر لآيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى، والصلاة" ١، فكيف يلائم هذا ما قالوه؟ قلنا: وليس في هذا ما يناقض ما قالوه؛ إذ ليس فيه إلا نفي وقوع الكسوف لموت أحد، أو لحياته، والأمر بالصلاة عنده، والشرع الذي يأمر بالصلاة عند الزوال، والغروب، والطلوع من أين يبعد أن يأمر عند الكسوف بها استحبابا؟

فإن قيل: فقد روي: أنه قال في آخر الحديث: "ولكن الله إذا تجلى لشيء خضع له"، فيدل على أن الكسوف خضوع بسبب التجلي، قلنا: هذه الزيادة لم يصح نقلها، فيجب تكذيب ناقلها، وإنما المروي ما ذكرناه٢، كيف؟ ولو كان صحيحا لكان.


١ رواه الشيخان وغيرهما.
٢ بين الحافظ في الفتح ج ٣ ص ٤٣٠ أن هذه الزيادة ثابتة من رواية أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وصححها ابن خزيمة والحاكم، وكذا قال غيره: إن الزيادة ثابتة، وقد حاول بعضهم أن يجعل هذه الزيادة مبطلة لقول أهل العلم بالفلك والهيئة؛ أقول: ولو سلمنا ثبوتها فلا ينافي ذلك ما قاله علماء الفلك؛ لأن المراد بهذه الزيادة خضوع هذه الأجرام لله، وجريانها وفق إرادته، ووفق ما أوجده من الأسباب العادية لحدوثها، فهو من التمثيلات العربية البديعة ولعل هذا هو ما أراده الغزالي بالتأويل.

<<  <   >  >>