للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِه} ١ الآية، ويكاد لم يسلم من ذلك أحد منهم، إلا أن منهم من يحاول أن يوفق بين ظاهر الآية وما قاله الفلاسفة الطبيعيون في الرعد والبرق فيؤول الآية، ومنهم: من يبقي الآية على ظاهرها، وينحي باللائمة على الفلاسفة وأضرابهم، الذين قاربوا أن يصلوا إلى ما وصل إليه العلماء في العصر الحديث ففي تفسير الخازن٢ قال: أكثر المفسرين على أن الرعد اسم للملك الذي يسوق السحاب، والصوت المسموع منه تسبيحه، ثم أورد على هذا القول أن ما عطف عليه، وهو قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} يقتضي أن يكون المعطوف عليه مغايرا للمعطوف؛ لأنه الأصل ثم أجاب بأنه من قبيل ذكر الخاص قبل العام تشريفا!

وقد بسط الإمام الآلوسي في تفسيره كما هي عادته الأقوال في الآية، وذكر أن للعلماء في إسناد التسبيح إلى الرعد قولين: أن في الكلام حذفا؛ أي: سامعوا الرعد، أو أن الإسناد مجازي من قبيل الإسناد إلى السبب والحامل عليه، والباء في "بحمده" للملابسة أي يسبح السامعون لذلك الصوت متلبسين بحمد الله، فيقولون: سبحان الله، والحمد لله.

ومن العلماء من قال: إن تسبيح الرعد بلسان الحال لا بلسان المقال حيث شبه دلالة الرعد على قدرة الله وعظمته، وإحكام صنعته، وتنزيهه عن الشريك والعجز، بالتسبيح والتنزيه والتحميد اللفظي، ثم استعار لفظ "يسبح" لهذا المعنى، وقالوا: إن هذا المعنى أنسب وأقعد من الآخر.

وكل هذا من العلماء في الحقيقة تخلص من حمل الآية على ظاهرها، وأن المراد بالرعد، الملك الموكل بالسحاب، ثم قال الآلوسي: والذي اختاره أكثر المحدثين أن الإسناد حقيقي، بناء على أن الرعد اسم للملك الذي يسوق السحاب، فقد رأى أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وآخرون عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟ فقال عليه الصلاة


١ الرعد: ١٣.
٢ ج ٣ ص ٨٠.

<<  <   >  >>