والسلام:"ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب، بيديه مخراق من نار، يزجر به السحاب، يسوقه حيث أمره الله تعالى"، قالوا: فما ذلك الصوت الذي نسمعه؟ قال:"صوته" قالوا: "صدقت".
وهذا الحديث إن صح: يمكن حمله على التمثيل، ولكني لا يطمئن قلبي إليه، ولا أكاد أصدق وروده عن المعصوم صلى الله عليه وسلم وإنما هو من إسرائيليات بني إسرائيل ألصقت بالنبي صلى الله عليه وسلم زورا، ثم كيف يتلاءم ما روي مع قوله قبل:{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} وقوله تعالى: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} ، فالآية في بيان قدرة الله وعظمته في إحداث هذه الآيات الكونية على حسب ما خلقه الله في الكون من نواميس، وأسباب عادية! وإنما المناسب أن نفسر تسبيح الرعد بلسان الحال، وعطف الملائكة على الرعد يقتضي أن يكون الرعد غيرها لما ذكرنا، وكأن السر في الجمع بينهما: بيان أنه تواطأ على تعظيم الله وتنزيهه الجمادات والعقلاء، وأن ما لا يعقل منقاد لله وخاضع لانقياد العقلاء سواء بسواء، ولا سيما الملائكة الذين هم مفطورون على الطاعة والانقياد، ومن الحق أن نذكر أن بعض المفسرين كانت لهم محاولات؛ بناء على ما كان من العلم بهذه الظواهر الكونية في عصرهم جادة، في تفسير الرعد والبرق، كابن عطية رحمه الله فقد قال: وقيل: إن الرعد ريح تخفق بين السحاب، وروي ذلك عن ابن عباس، واعترض عليه أبو حيان، واعتبر ذلك من نزغات الطبيعيين، مع أن قول ابن عطية أقرب إلى الصواب من تفسير الرعد بصوت الملك الذي يسوق السحاب، والبرق بضوء مخراقه، وقد حاول الإمام الرازي التوفيق بين ما قاله المحققون من الحكماء، وما ورد في هذه الأحاديث والآثار، وقد أنكر عليه أبو حيان هذا أيضا.
ثم ذكر الإمام الآلوسي آراء الفلاسفة في حدوث الرعد، وتكوُّن السحاب وأنه عبارة عن أبخرة متصاعدة قد بلغت في صعودها إلى الطبقة الباردة من الهواء، ثم تكثفت بسبب البرد، ولم يقدر الهواء على حملها، فاجتمعت وتقاطرت، ويقال لها: مطر.
أقول: وقد أصابوا في تكون السحاب ونزول المطر، فآخر ما وصل إليه العلم اليوم هو.